رئيس التحرير
عصام كامل

أبو رغيفين على خُطى المتنبى


يحكى لنا التاريخ عن الزعيم نيكيتا خروشوف، والخطاب السرى الذى ألقاه فى المؤتمر العشرين للحزب الشيوعى السوفيتى فى القاعة الكُبرى بالكرملين، يوم 25  فبراير 1956، أمام جمع من أعضائه. وكان الخطاب شديد اللهجة ضد سياسات الزعيم السوفيتى جوزيف ستالين، الذى مات فى مارس 1953، وقد دان الخطاب العنف الذى وُصف به عصر ستالين إلى الدرجة التى كان معها يمحو ذكرى الرجل كُليًا. وفى أثناء مُناقشة التقرير الذى حصر أعمال العنف التى قام بها ستالين، فى أعقاب الخطاب، إذا بقُصاصة ورق تصل إلى يد خوروشوف، وقد كُتب عليها سؤالًا له: "أين كنت يا سيادة الأمين العام أثناء وقوع تلك المُخالفات ولما لم تعترض عليها؟!" وكان السؤال غير موقع باسم أحد.


عندها قرأ خروشوف السؤال بصوت عال أمام الحضور، وصاح فى القاعة عدة مرات مُتسائلًا حول هوية من أرسل له السؤال، فلم يرد أحد. عندها ابتسم خروشوف، وقال: لهذا السبب تحديدًا، لم أعترض فى عهد ستالين!!
ورغم أننا نحيا فى الألفية الثالثة وفى القرن الواحد والعشرين، وفى العام 2013 منه، وبعد ما يصفه الثوار والإخوان، بأنه ثورة ملؤها الوعى والوعود بالرفاه الاقتصادى، فإن رئيس حزب "الحرية والعدالة" الإخوانى سعد الكتاتنى يتعامل مع المصريين جميعًا وكأنهم من البروليتاريا (هى ببساطة مُصطلح شيوعى يُشير إلى العُمال)، ويرى أن المخصص للمواطن المصرى، المُفترض أن يكون "رغيفين" فى اليوم، ولكن الحكومة (تكرمت) وأعطته 3 أرغفة، وكأن الأمر عودة إلى "ما خلف الوراء" وصرف من جيبه الخاص وليس من عرق الشعب المصرى وماله العام!! وحديثه عن المصريين، تشُعر معه كأنه يراهم "أبقارًا" لهم مُخصصات للأكل يوميًا وقد حسبها "خبير الأغذية" الكتاتنى "أبو رغيفين"!!
وقد صرح "أبو رغيفين" أيضًا فى المُخيم التثقيفى لأعضاء حزبه بالقليوبية، قائلًا بأنه ومن مُنطلق قراءته لتاريخ الأحزاب السياسية، "لم يجد حزبًا على مستوى العالم قد حصل على أربعة إستحقاقات انتخابية على مدار السنتين الأخيرتين مثل حزبه، ولذا فان ‘حزب الحرية والعدالة حقق ما لم يُحققه حزبًا آخر فى العالم’"، ولا أعرف إن كان فى هذا الإطار، قد قرأ أيضًا عن الزيت والسُكر فى ظل هذا التحليل "الجهبذى الفذ"، الذى يجب وأن يترشح بسببه لنيل "قُلادة النيل"!!!
وبالطبع لم تصله قُصاصة ورق تسأله فى هذا الصدد وتقول: "لما لم تتكلم يا دكتور عن رشاوى الزيت والسكر للناخبين من الفُقراء، التى تُعطى فى مناسبة الانتخابات فقط دون غيرها، بينما تتكلم عن الانتخابات النزيهة والاستحقاقات الإعجازية؟!" فأعضاء الحزب الإخوانى أو الأعضاء العاديين فى جماعة الإخوان، ليس لديهم جُرأة الخلاف فى الرأى ويجب أن يتفقوا دومًا حتى لو أن اتفاقهم سيؤدى إلى إغراق السفينة كما هو حال مصر اليوم، فما بالكم بمُسائلة قيادة لديهم؟! والمُقارنة هنا بين ضمير فرد شيوعى وربما مُلحد فى الحزب الشيوعى بالاتحاد السوفيتى قديمًا ومُدعو تمثيل الإسلام فى مصر اليوم!!
والمُبالغات التى يقوم بها "أبو رغيفين"، باجتزاء الحق، تُذكرنى بمبالغة شُعراء العرب قديمًا فى أوصافهم المُغالى فيها مدحًا وغزلًا وهجاءً، فكما يقول المولى جل وعلى: "والشُعراء يتبعهم الغاوون"، وهكذا يمضى أهل الغواية وراء الكلام المعسول للشُعراء وتصبح أقوالهم مأثورة، ولو كانت خاطئة، وتُستخدم فى التعدى على الغير والتفاخر ولو بالكذب!!
ولقد كان أحد حُكام مصر العظام هو "أبو المسك كافور الأخشيدى" (الشهير بكافور)، وقد مدحه الشاعر البارز أبو الطيب المتنبى أشد المديح، بعد أن استضافه كافور فى مصر مُدة 4 سنوات، ثم انقلب المتنبى عليه وهجاه أشد الهجاء، لأن كافور لم يمنحه عملًا مُهمًا فى الدولة كما طلب منه. والبعض يقرأ التاريخ من زاوية الشعر والنُخب ذات الهوى، فيحكم بالخطأ على كافور من مُنطلق قراءة المتنبى دونما قراءة السياق التاريخى الكامل، رغم أن المصريين أحبوا كافور وكان كريمًا سخيًا معهم، وقد جعل من مصر دولة ذات مكانة فى عهده وذات اقتصاد قوى.
ومُبالغات "أبو رغيفين" وإهانته للمصريين بتجريدهم من إنسانيتهم، إنما يُشبه المتنبى فى انقلابه على كافور حتى هجاه وهو فى قبره، لأنه لم يُلبِ له مطلبًا لشخصه، ومن يتبع "أبو رغيفين" ويُصدق كلماته، هم من "الغاوين" الذين يستخدمون تلك الكلمات ويروجونها، بينما هى منافية للحق تمامًا، ولكنهم فى ذلك، مثل من يٌصدق هجاء المُتنبى ولا يقرأ الحقيقة التاريخية حول حسنات كافور، كونه كان من الحُكام المحبوبين لدى المصريين!!
وشتان حتى ما بين خروشوف كزعيم أصلى و"أبو رغيفين"، كزعيم مصنوع من قبل الإخوان أتباع الأمريكان. كما أن الفرق واضحًا بين جمهورين، حيث تلقى خروشوف فى دولة الطُغيان والبطش، الاعتراض على كلامه، ممن امتلك الضمير، بينما يتضح أن الضمير غائبًا فيما يطلق عليه عصر الديمقراطية فى مصر من قبل أعضاء وقادة "حزب الحرية والعدالة" الذى يُفترض أنه "حزبُ دينيُ"، ولكن من الواضح أنه حزب "إفك وخداع"، ويقوم بأفضل دعاية للرئيس السابق ونظامه لأنه يثبت أنه الأسواء بتزويره الحقائق بل تدليسها كُليًا!!
والله أكبر والعزة لبلادي
وتبقى مصر أولًا دولة مدنية

الجريدة الرسمية