أعضاء التأسيسية للدستور" ما بيعرفوش"
ألهمنى قرار المحكمة الدستورية بحجز دعوى حل الجمعية التأسيسية للدستور للحكم يوم 3 فبراير إلى أن أقرأ الدستور من جديد، واستوقفنى ما ورد فى المادة رقم 58 والتى تتعلق بالتعليم، ووجدت أن الحكم بعدم دستورية الجمعية التأسيسية غير كافياً، فعلى أعضاء الجمعية التأسيسية للدستور أن يختاروا تهمة من اثنتين، الأولى أنهم باعو "الوهم للشعب"، والأخرى أنهم "يجهلون معرفة ما كانوا يتناقشون حوله"، فالشق الأول من المادة رقم 58 من الدستور ينص على أنه: " لكل مواطن الحق فى التعليم عالى الجودة، وهو مجانى بمراحله المختلفة فى كل مؤسسات الدولة التعليمية".
لن أستطيع اتهام أعضاء الجمعية التأسيسية للدستور بأنهم باعوا الوهم للشعب حول جودة التعليم، فمثل تلك التهمة تعنى ببساطة أنهم كانوا يعرفون أن ما تضمنته المادة رقم 58 حول التعليم "عالى الجودة" هو حبر على ورق، وأنه كلام مرسل لا يساوى ثمن الحبر الذى اُستخدم فى طباعة الآف النسخ من الدستور، ومع ذلك حرصوا على أن تتضمن المادة ما يؤكد حق المواطن المصرى فى الحصول على تعليم "عالى الجودة".
وبالتالى يصبح الاتهام بالجهل هو الأخف وقعاً، وأيا كانت التهمة التى يرضاها أعضاء "التأسيسية" لأنفسهم، فثمة اتهام يلحقهم، لأن الدستور ليس كتاباً للأحلام ولكنه الكتاب الذى تصدر على أساسه تشريعات وقوانين ويتم بمقتضاه اتخاذ قرارت تنفيذية من جانب الحكومة.
وأول ما لا يعرفه أعضاء "التأسيسية" هو أن معدل الإنفاق على التعليم فى مصر انخفض إلى 3.8% من إجمالى الناتج المحلى عام 2009، وذلك وفقاً لمؤشرات تقرير التنمية البشرية الصادر عن الأمم المتحدة فى عام 2011، وكان معدل الإنفاق على التعليم فى مصر عام 2005 يمثل 4.8% من إجمالى الناتج المحلى.
أما وأن أعضاء الجمعية التأسيسية قرروا أن لكل مواطن الحق فى تعليم "عالى الجودة"، فأن الحكومة عليها أن تنافس السويد التى أنفقت 7.2% من إجمالى الناتج المحلى على التعليم عام 2000، أو النرويج التى خصصت 7% من إجمالى الناتج المحلى للتعليم عام 2009. ولا أعتقد أن الحكومة تستطيع أن تنفق على التعليم ما أنفقته جزر المالديف، والتى خصصت 11.2% من إجمالى الناتج المحلى للتعليم فى عام 2009، أو حتى تنافس بتسوانا التى أنفقت 8.9% من إجمالى الناتج المحلى فى العام نفسه.
السويد والنرويج تنفقا على مدارس تم بناؤها وتجهيزها بتقنيات حديثة، وبسعة بفصول لا تتجاوز 25 تلميذاً، وليس 80 تلميذا كما يحدث فى مصر، المدرسون فى الدول التى تهتم بجودة التعليم لا توّظف فى مدراسها الحكومية أستاذة لا يعرفون كيف يتحدثون اللغة الإنجليزية، ولا يعلمون الطلاب اللغة الإنجليزية بطريقة "الكتاتيب".
أما وأن مصر تحتاج لمدراس وجامعات جديدة فى معظم القرى والمدن والمحافظات، وفصول مجهزة بأساليب عرض مختلفة، ومعلمين يملكون أكثر من شهادة "الكادر"، وأستاذة جامعات لا يبيعون المذاكرات للطلاب، ومناهج تحتاج إلى مناهج جديدة، فإن أغلب الظن أن أعضاء الجمعية التأسيسية كانوا يجهلون ذلك تماماً، أو "ما يعرفوش"، اللهم إلا إذا خرج علينا أحدهم ليقول لنا أن ما قصده بالتعليم عالى الجودة، هو توفير "دكة" لكل طالبين.