الحملة القومية لتوزيع "الألقـاب"!
هاتفنى زميل لى يعمل "معد برامج" بإحدى القنوات الفضائية، طالبًا منى الظهور بأحد البرامج التليفزيونية لتحليل المشهد السياسى الذى تمر به مصر بعد ثورة 25 يناير، وما آلت إليه الأحوال بعد وصول "مرسى" إلى الحكم.. فسألته: بأى صفة سيتم تقديمى؟ فأجابنى: ككاتب صحفى! فقلت: يااااااه.. كاتب صحفى مرة واحدة!! قال لى: العملية بسيطة، والناس مش هتدور وراك".
هكذا أصبحت "الألقاب" توزع على أى شخص دون حسيب أو رقيب.. ولم يتبق سوى إعلان الحكومة عن تبنى مشروع قومى لتوزيع "الألقاب"، على غرار الحملة القومية للقضاء على شلل الأطفال.
فالأمر فى مصر المحروسة لا يخضع لأى قاعدة، ولا يعترف بأى منطق، فهذا كاتب صحفى، وذاك محلل سياسى، هذا خبير استراتيجى، وذاك خبير أمنى، هذا داعية إسلامى، وذاك فقيه محدّث، هذا أخصائى فى الخلية الحيوانية، وذاك متخصص فى الخلية الإخوانية، لكنهم فى النهاية لا علاقة لهم من قريب أو بعيد بالتخصص الذى يتناولونه.
فكثير ممن يطلق عليهم لقب "كاتب صحفى" فى الفضائيات تكون العلاقة بينه وبين الصحافة كعلاقتى باللغة السنسكريتية، لكنه ربما يكون كتب مقالة أو عدة مقالات فى عدد من صحف "بير السلم"، وتعرف على بعض "المعدين" فصار ضيفًا فضائيًّا، يحلل ويفسر ويتوقع ويقرأ المستقبل.
نفس الحال ينطبق على لقب "الداعية"، فكل مَن قرأ كتابًا لابن تيمية وابن القيم رحمهما الله، وقصّر ثيابه وأطال لحيته، ووضع العمامة على رأسه، ووضع السواك فى فمه.. أصبح يحصل على لقب شيخ أو داعية إسلامى؛ لمجرد ظهوره فى فضائية دينية ضررها أكبر من نفعها.
أضف إلى ذلك.. كل مَنْ يشتم ويلعن رموز النظام السابق.. والتقطت له صورة فى ميدان التحرير أو بالقرب منه، أصبح من حقه الحصول على لقب "ثائر" أو "ناشط سياسى".. دون قيد أو شرط..
الحصول على لقب "دكتور" الآن من أسهل ما يمكن.. فالأمر لا علاقة له بالدرجة العلمية، ولكن يعتمد على درجة القرابة أو الصداقة أو المعرفة أو المصلحة مع "المعد" الذى يستضيفك ويتم تعريف المشاهدين بك بأنك الدكتور فلان الفلانى المتخصصص فى المجال العلانى.. ولا تقلق.. فلا أحد سيبحث وراءك، ويتأكد إذا كنت دكتور أم "عجلاتى"!