رئيس التحرير
عصام كامل

حسام عيسى.. لمن لا يعرفه!


في عام 87 كتب الكاتب الكبير الراحل عبد الله إمام عن أول اجتماع لـ "اللجنة العامة" المؤسسة للحزب الناصري الأول - وقد كانت بدايته قوية وكبيرة - والذي حضره أغلب رفاق الزعيم الخالد جمال عبد الناصر، من وزراء ورجال دولة..وكذلك شخصيات عامة وصحفيون وفنانون وسياسيون وبرلمانيون كبار..إلا أن الأستاذ إمام لفت نظره واحد من بين كل هؤلاء، وقال، إنه الوحيد الذي قرر المؤتمر بالإجماع منحه ضعف الوقت المقرر لأي متحدث..ثم راح الرجل يتكلم عن مآثر المتكلم الفريد الذي نال إعجاب الجميع ويبدو أنه كان وجها جديدا على العمل الحزبي..

قررنا وقتها وبشغف التعرف على الرجل الذي قالوا، إنه يقدم رؤية جديدة ومستنيرة للناصرية لا تقف عند الحب العاطفي لشخص جمال عبد الناصر وإنما لأطروحاته ورؤيته للنهوض بمصر وشعبها..وبعد التحاقنا بالجامعة دعونا الرجل متحدثا باحدي الندوات بإشراف مباشر من الدكتور عبدالله هدية، أستاذ العلوم السياسية المعروف رغم عدم رضا أجهزة الأمن عن الندوة وتربص الجماعة الإسلامية بها إلا أن إحدى الأزمات الصحية الطارئة حالت دون مجيء الدكتور حسام، وحلت الأزمة كلها.

وفي هذه السنوات، أصبح الدكتور حسام عيسي أحد أبرز الوجوه الناصرية المعروفة.. وممثل الرئيس في ندوات داخلية وخارجية ووفود سياسية طافت الوطن العربي..وفي صدفة نادرة طريفة لا تنسي التقينا في مطار تونس الدولي..كنت بصحبة بعض الأصدقاء منهم الحقوقي البارز ياسر عبد الجواد والصحفي والإعلامي المرموق وائل لطفي والصديق جلال عوارة مذيع الأخبار المحترم بقناة النيل وكان هو بصحبة الراحل الكبير الوزير الأسبق البارز ضياء الدين داوود..كانوا في طريقهم إلى ليبيا عبر تونس لتوقف الطيران إلى طرابلس ضمن عقوبات دولية وكان الأسهل وقتها الذهاب إلى تونس ومنها إلى ليبيا برا..كنا نحن في وداع وفد إحدى البلدان العربية الشقيقة المشارك ضمن مخيم الشباب العربي بالعاصمة التونسية.. وكان وفد هذه الدولة الشقيقة هو الوحيد الذي كان بالكامل من الفتيات!! 

وفوجئنا أن وداعهم لنا وقد بقينا معا ثلاثة أسابيع كاملة..حار للغاية!! فوجئنا به ولم نتوقعه أبدا !! ورغم أنه كان وداعا أخويا إلا أنه كان مدهشا جدا !!! ولا نعرف كيف وفي هذه اللحظه تحديدا - ومن دون أي موعد سابق لشباب مصري في تونس ذهبوا لوداع وفد عربي وسيعودون إلى معسكرهم في إحدى الضواحي التونسية - تنشق الأرض ويخرج منها رئيس الحزب الناصري ومعه القيادي البارز به الدكتور حسام عيسى في ترانزيت عابر ليشاهدا لحظات الوداع كلها !!! 

المهم..الدكتور حسام نموذج محترم للأستاذ الجامعي الوقور الخلوق..وقد أطلقنا عليه حكيم الناصريين..وظل مرشحا دائما لرئاسة الحزب كأفضل الحلول لانتشال الحزب الذي كان كبيرا من أزماته ومشاكله..وقد وقع لسنوات في شباك الخلافات الناصرية دفعته ليهرب أخيرا إلى حزب الدستور حاملا أفكاره معه.. ويكفي أن الخلافات والصراعات الحزبية لفت به ولف بها..انشغل بها وشغلته..حيث شغلته بالفعل عما هو أهم منها ومنهم..خصوصا في مجال الكتابة والدراسة..فهو صاحب أهم مؤلف عن أخطر قضية تخص العالم الثالث كله وهي "نقل التكنولوجيا" التي يحتكرها لنفسه العالم الأول ويمنعها عمن سواه حتي يستطيع التحكم في كوكب الأرض..وقدم للأمة العربية فيه سبلا للتخلص من المخطط الرأسمالي الكبير والتغلب عليه لنقل التكنولوجيا التي بدأت مصر الستينيات بكسر احتكارها فعليا حين نقلت تكنولوجيا صناعة الأدوية..وقمنا بتفكيكها عكسيا وأقمنا أكبر مصانع للأدوية بالمنطقة!

الدكتور حسام عيسى قيمة كبيرة جدا..يؤمن بشكل مطلق بالعدل الاجتماعي ويطبقه على نفسه..لا يعرف التجارة بالكتب والمؤلفات الجامعية واستغلال طلابه في الجامعة.. وظل رغم إمكانياته العلمية الكبيرة لا يمتلك إلا سيارة "فولكس" صغيرة لا تتناسب حتى مع طوله الفارع ماشاء الله..وهو الضامن لحقوق الفقراء داخل مجلس الوزراء..وربما تآمرت قوى بعينها عليه لمنع وصوله للمجلس بعد ثورة يناير وطيلة عامين..وربما لن تتركه مافيا التعليم الخاص في مصر الفترة المقبلة..لكنه في كل الأحوال مكسب كبير للتعليم الجامعي وللحكومة المصرية وللشعب المصري يستحق الدعم..كل الدعم!.
الجريدة الرسمية