رئيس التحرير
عصام كامل

تــــفاءلوا


ذهبت إلى المهندس ممدوح حمزة في منزله بالدقى؛ للحوار معه واستطلاع رؤيته للحالة الراهنة التي تمر بها مصر، فكان متشائمًا رافضًا لفكرة الجبهات والحركات والأحزاب بصفة عامة وكان هذا بمجرد ذكر اسم جبهة إرادة مصر التي أنشأها الأستاذ عبد العزيز سمير، ونريد أن نقدم لمصر شيئًا من خلالها.


وبدأ حديثه غاضبًا مشككًا لدرجة اليقين بأن كل من على الساحة خونة ويتعاملون لحسابتهم الشخصية وتنبأ بحدوث ثورة جياع في مصر التي سيعقبها كره الشعب للجيش والشرطة مما استنفر عروقى وزاد من نبضات قلبى خوفًا وارتجافًا مما جعلنى أقاطع صديقى في الجبهة عبد العزيز سمير الذي كان معى وكان يحاول إقناع المهندس ممدوح حمزة بالفكرة التي من أجلها أنشأنا الجبهة. فوجهت كلامى للمهندس حمزة، وقلت له، إن كان هذا ما سوف يحدث فما الحل من وجهة نظرك أو بمعنى أدق ماذا يجب علينا فعله تجاه ما تتنبأ به لمنعه أو تقليل نسبة حدوثة أو حتى لشرف المحاولة فكان رده أسرع من البرق بلا تفكير بأنه لامحالة لحدوث ما يتنبأ به وكأنه يقرأ الغيب أو يقرأ الواقع وله حساباته التي تقترب من اليقين.

فزادنى اكتئابا وخصوصًا عندما عقب على كلامه وقال، إنه يفكر جديًا ونهائيًا في ترك مصر فقلت له بطريقة تشبه الصراخ أنت قادر على ترك مصر وقادر على تكاليف المعيشة بالخارج والتي هي بالطبع أفضل بكثير من مصر ولكن أنا ونظائرى من أساتذة الجامعة ومن يحتلون مراكز مرموقة في البلد لم يستطيعوا عليها فما بالك بمن ليس لديه عمل فالحل الوحيد أمامنا هو مواجهة المجاعة التي تتحدث عنها وأن نقف جميعًا نفكر في الخروج من هذه الأزمة التي تقول إنها لاشك في حدوثها.

فكان رده هو أنه لا توجد حلول وقال، "أنا كم من مرة حدثتكم عن الخونة الذين يتصدرون المشهد ولم تصدقونى وأنا اليوم أقولها وسوف ترون بأنفسكم صدق تنبئاتى، وكان مستاء جدًا من تجاهل القنوات الفضائية المأمورة بعدم ظهوره بها ونهى الحديث وإنصرف وتركنا في حجرته مذهولين مما لم نتوقع أن نسمعه من هذا الشخص بالذات لتاريخة العظيم وعبقريته كمهندس عالمى.

أين رجالك يا مصر وأين يذهبون عقلاؤك ومفكروك وعلماؤك الذين كبروا بين ذراعيك وارتووا من نيلك وشبعوا من زرع ترابك لماذا يريدون الموت في أرض غريبة وأنت الحنون، الكل باعوك من أجل لا شيء.

ولكن نحن الفقراء من دافعوا عنها قديما ويدافعون ويدفعون دماءهم من أجلها اليوم ويجددون زرعها ويشيدون بنيانها من جديد وستظل مصر آمنة إلى يوم الدين وسيظل هؤلاء يهربون منها يوم المحن ويهرولون إليها عند الرغد ويسرقون ثمرة الفقراء ليزدادوا سمنة وحمرة الخدود ونزداد نحن الفقراء فقرًا ومرضًا وحتى فقرنا ومرضنا يستثمرونه لصالحهم فلهم ما يستثمرونه ولنا الله شاهد وعليم بنا ورحيم بمصر وأهلها.

ولم يرد الله أن أذهب إلى منزلى بهذه الحالة الكئيبة فعند خروجى من منزل ممدوح حمزة قابلت الفنان تامر عبد المنعم وأهديته ديوانى أحزان مثقف الذي أعتز به كثيرًا وأخبرته بما دار بينى وبين حمز، فأزال حديثه القليل والبسيط اكتئابى وهدء من روعى واستشعرت من كلامه تفاءله لمستقبل مصر فصدقته لأنى أريد أن أصدقه وتمسكت بشعرة أمل وأنا في بحر الخوف من المستقبل وأبحر أملا في الوصول إلى شاطئ الأمان.

ومازلت أفكرُ في سد النهضة وهل سينال الجفاف من مصر وتفكك صفوف الأمم وانهيارها وغبائها والحروب المشتعلة بين أبناء البلد الواحد وبين العرب بعضهم البعض واتساع رقعة الفقر وحالة التلوث في كل نواحى الحياة ومع كل هذا مازال لدى أمل في معجزات الله سبحانه وتعالى إن أراد بنا خير فلم يستطع أحد أن يمنع إرادتهُ وإن أراد بنا غير ذلك فتلك مشئيته وله ما أراد ولك الله يامصر.
الجريدة الرسمية