عامان من القُبْح والانحطاط
أسوأ ما فى المشهد منذ عامين ونصف، هو طوفان الوقاحة والبذاءة وانفلات الألسنة والأذرُع!
في ظنى أننا بحاجة إلى سنوات قد تمتد عقودًا، كى نتطهر مما أرسته وسائل الإعلام من استسهال السب والقذف والتنابز، والتجاوز اللفظى، والوقاحات التي وصلت إلى حد الإسراف في استخدام الموسيقى التصويرية "الصادرة من الأنف"، وإطلاق السباب بدءًا من سب الوالدين إلى سب الدين والعياذ بالله.
غير أن المؤلم والمُفْزِع، هو نجاة السَبَّابين والمتطاولين من مقصلة العدالة، بل نجاة المتطاولين على العدالة نفسها، لدرجة أننا سمعنا من يقول: "لو النائب العام راجل يصدر أمرًا بضبطى وإحضارى"، وسمعنا أيضًا من يقول: أنا لن أمثُل أمام"النيابة الوسخة"!.
قبل دخول وسائل الإعلام في منظومة السباب، كان الانفلات اللفظى والأخلاقى في فعاليات الشوارع والميادين قد بلغ حدودًا يستحيل أن نتصورها في أكثر المجتمعات انحطاطًا.
والملحوظة الأخطر أن يتم كل ذلك وسط إحساس بأن القانون مغلولة يده، وتبدو الدولة وكأنها غائبة، إلا فيما ندر، وحتى الحالات النادرة التي تدخلت فيها، ضاعت أدراج الرياح وسط زخم الانفلات، فانهارت بالتبعية منظومة الردع العام.
وبقليل من التركيز، سوف ندرك أن الحديث عن سلطة القانون وهيبة الدولة صار من ذكريات التاريخ.
فلا قانون ولا دولة ولا مسئول يملك أن يملأ عين أحد من "الثوار الجدد".. وهم خليط من نشطاء وسياسيين وحزبيين وأكاديميين وعاطلين وبلطجية.
ومن المفارقات أن الأخلاق الفاسدة تظهر واضحة بين الطبقة السياسية والثورية والمثقفة فهم يتبادلون أحط ما في قواميس البذاءات من شتائم وأوصاف واتهامات، وهم النخبة التي يفترض أن تكون طليعة المجتمع التي تجره إلى الرقى والتحضر.
أما عن إفساد الذوق من ثوار ما بعد الثورة فحدِّث ولا حرج.. فهم إذا حَلُّوا بأى مكان فإنهم فضلا عن التخريب والهتافات المؤذية للسمع يحولونه إلى لوحة من العبث والشعارات والرسوم المؤذية للعين والنفس والمشاعر النقية.. يخربون الذوق ويصدمون المشاعر الإنسانية ويصيبون معنى الرقى في مقتل بألوان وأقلام وأفكار التدنى.. القبح طال القصور الرئاسية، والأسوار والطرقات، وحتى حصن العدالة "دار القضاء العالى" لم يسلم من حروف ورسومات السفالة.. والغريب العجيب أن تجد من ينادى بأن نجعل من الكتابات والرسوم المذكورة معرضًا.. فهل يعقل أن نجعل للوقاحة معرضًا؟!.
لنبدأ فورًا في إنهاء حالة الانحطاط..وعلينا أن نعلم، أن زوال الأمم يبدأ بانهيار الأخلاق.