محلل إسرائيل يكتب: دهاء السادات هزم المخابرات الإسرائيلية فى حرب 73.. جولدا مائير رفضت توجيه الضربة الأولى خوفا من كسينجر.. عنصر المفاجأة حقق لمصر وسوريا إنجازا لا يستهان به قبل 24 أكتوبر
مع اقتراب احتفال المصريين بذكري نصر أكتوبر، تحدث الكاتب الإسرائيلي "ماتي زوهار" بالإذاعة العامة الإسرائيلية عن دور المخابرات الإسرائيلية في حرب أكتوبر وعن إخفاقها في تأدية دورها في الحرب ما أدي إلى هزيمة الجيش الإسرائيلي، مشيرا إلى أن عملية إخفاق أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية في أن تعرف مسبقا أن مصر وسوريا تنويان شن حرب ضدها عام 1973، كانت موضع عدة بحوث وكتب إسرائيلية وأجنبية، كما كانت موضع لجنة رسمية أقيمت في إسرائيل بعد الحرب مباشرة، برئاسة رئيس محكمة العدل العليا سابقا "شمعون اجرانات، والمسماة بلجنة أجرانات التي تولت التحقيق في هزيمة الكيان الصهيوني.
ولفت زوهار إلى ما جاء في تقرير لجنة اجرانات، وكذلك مما نشر حول الموضوع أن المخابرات الإسرائيلية تجمعت لديها معلومات حول الإجراءات العسكرية التي اتخذتها كل من سوريا ومصر استعدادا للحرب، كما أنها تلقت قبيل نشوب الحرب، عدة تحذيرات حول نية مصر وسوريا شن حرب عليها؛ إلا أن الجيش الإسرائيلي وكذلك المحافل السياسية الإسرائيلية، لم تتخذ الإجراءات الكفيلة بصد هجوم شامل، بتأثير التقديرات الاستخبارية الإسرائيلية القائلة، بإن مصر تفتقر إلى القدرات العسكرية اللازمة لذلك.
تابع: كما استبعدت هذه التقديرات احتمال إقدام مصر على شن هجوم عسكري دون أن تتوفر لديها أسلحة متطورة، تضمن لها تفوقا جويا على إسرائيل، وفي الوقت ذاته، استبعدت التقديرات الاستخبارية الإسرائيلية أن تشن سوريا حربا ضد إسرائيل بمفردها.
والواقع، أن الرئيس المصري الراحل أنور السادات، كان حذر عام 1972 من خطورة نشوب حرب مع إسرائيل، نظرا للجمود الذي اكتنف المساعي السلمية للتوصل إلى تسوية النزاع معها، وصرح السادات بأن الحرب مع إسرائيل أمر محتوم، في ضوء عدم تجاوب إسرائيل مع الدعوة المصرية لعقد معاهدة سلام، في مقابل انسحابها من كل المناطق التي وقعت تحت سيطرتها في نكسة 67.
وكرر السادات هذا التحذير عدة مرات، خلال عامي 1972 وخلال العام التالي، داعيا الولايات المتحدة إلى إرغام إسرائيل على قبول التفسير المصري لقرار 242، والقاضي بانسحاب إسرائيل من كل المناطق؛ وفي الوقت ذاته بدأ السادات بحملة دبلوماسية في الدول الأوربية والأفريقية كي تمارس ضغوطا على الولايات المتحدة، وطلب من الاتحاد السوفيتي أن يزوده بأسلحة هجومية متطورة، إلا أن السوفيات رفضوا طلبه، الأمر الذي حدا به إلى طرد المستشارين السوفييت المقدر عددهم بـ20 ألف مستشار من مصر.
في ضوء هذه التطورات، توصلت المخابرات الإسرائيلية إلى الاستنتاج بأن الجيش المصري يفتقر إلى الأسلحة والقدرات العسكرية اللازمة لمهاجمة إسرائيل، وعزز من هذا الاستنتاج لدى استخبارات إسرائيل الإنذارات المتكررة التي أطلقها الرئيس المصري الراحل منذ عام 1972، دون أن يقدم على تحقيق تهديداته فعليا، وإن كانت حكومة إسرائيل وضعت جيشها على أهبة الاستعداد في مايو 1973 ولكنها اتهمت بتبذير ملايين الدولارات دون مبرر وذلك بعد تبدد مخاوفها سريعا.
وكانت نتائج اشتباك جوي وقع بين سوريا وإسرائيل في شهر سبتمبر عام 1973، أي قبل حرب أكتوبر بشهر واحد عززت من تقديرات الاستخبارات الإسرائيلية بعدم نشوب حرب ونجحت القوات الجوية الإسرائيلية خلالها في إسقاط ثلاث عشرة طائرة حربية سورية.
ولم تغير الاستخبارات الإسرائيلية تقديراتها بالنسبة لاحتمال نشوب حرب بينها وبين مصر وسوريا، حتى عندما تلقت في أواخر شهر سبتمبر عام 73 تحذيرات من خطورة وقوع مثل هذا الهجوم، من عدة مصادر.
ويتبين أيضا من وثائق أمريكية وإسرائيلية، أن القيادة الإسرائيلية لم تدرك خطأ التقديرات الاستخبارية التي تمسكت بها، إلا في ليلة الحرب بعد أن توفرت لديها معلومات مؤكدة حول الخطط العسكرية السورية المصرية، ومع ذلك رفضت رئيسة الوزراء الإسرائيلية أنذاك جولدا مائير، السماح لرئيس أركان الجيش أنذاك الميجر جنرال الراحل (دافيد العازار) بتوجيه الضربة الأولى إلى سوريا ومصر، لاعتبارات سياسية كانت تتعلق بالعلاقات مع الولايات المتحدة، علما بأن وزير الخارجية الأمريكي "هنري كيسينجر" حذر إسرائيل في صباح يوم من خطورة توجيه الضربة الأولى.
ومن الجدير بالملاحظة في هذا الصدد، أن وثائق ومستندات مصرية تدل على أن الرئيس المصري الراحل أنور السادات هو الذي بادر إلى هذه الحرب وخطط لها، منذ أوائل عام 1973، ثم أشرك سوريا في المخططات والتنفيذ، ويتبين كذلك أن القيادة المصرية لم تضع خططا لشن حرب شاملة ضد إسرائيل، وإنما حرب محدودة النطاق فقط، بهدف الخروج من الطريق المسدود الذي آلت إليه المساعي السياسية للتوصل إلى تسوية النزاع مع إسرائيل.
واختير موعد الهجوم المباغت ظهر يوم السبت السادس من شهر أكتوبر عام 1973، الذي صادف يوم الغفران، وهو يوم الصيام لدى الشعب اليهودي، كما اختير هذا الموعد على أساس الظروف المناخية والسياسية المواتية، ففي ذلك الحين كانت مياه قناة السويس في حالة الجزر، بينما كان القمر بدرا كاملا، ما ساعد القوات المتحركة ليلا على رؤية مسالكها.
أما سياسيا، فقد كانت القيادة الإسرائيلية منهمكة في معركة الانتخابات التشريعية، بينما كان الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون منشغلا في فضيحة (ووترجيت) التي اضطرته إلى الاستقالة من منصبه فيما بعد.
وما من شك في أن القوات المصرية والسورية استفادت من عامل المفاجأة، حيث حققت إنجازات لا يستهان بها خلال المرحلة الأولى من الحرب، فالقوات السورية تمكنت خلال اليومين الأولين للحرب، أي في السادس والسابع من أكتوبر من الاستيلاء على أجزاء كبيرة من هضبة الجولان كانت تحت السيطرة الإسرائيلية، فيما تمكنت القوات المصرية من اجتياز قناة السويس والاستيلاء على كل مواقع الجيش الإسرائيلي المحصنة على امتداد خط "بارليف" في الضفة الشرقية منها، ما عدا موقع واحد قبالة مدخل القناة الشمالي.
ومع ذلك، نجحت قوات الجيش الإسرائيلي خلال اليومين الثالث والرابع للحرب في صد الهجوم السوري وفي استعادة سيطرتها على الجولان، بل ودفعت بالقوات السورية إلى ما وراء الخطوط السابقة، حيث استولت على مناطق كانت بيد القوات السورية قبل نشوب الحرب، بما فيها قمة جبل الشيخ، ثم واصلت القوات الإسرائيلية تقدمها باتجاه دمشق، حتى وصلت في اليوم الخامس للحرب إلى مسافة أربعين كم عن العاصمة السورية .
وبعد أن حسمت المعركة ضد القوات السورية لصالح إسرائيل، انتقلت معظم القوات الإسرائيلية من هضبة الجولان إلى سيناء لمواجهة القوات المصرية، ونجحت القوات الإسرائيلية بحلول اليوم الثامن للحرب في صد الهجوم المصري شرقا، ثم قامت فرقة مدرعات إسرائيلية، قادها الميجر جنرال أنذاك ورئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق ارئييل شارون، باجتياز قناة السويس غربا لتلتحق بها قوات أخرى، سيطرت على مناطق مصرية غربي القناة. وعند الإعلان عن وقف إطلاق النار في الرابع والعشرين من أكتوبر، كانت قوات الجيش الإسرائيلي ترابط في الضفة الغربية لقناة السويس، على بعد 100 كيلومتر من القاهرة- على حد قول زوهار .