رئيس التحرير
عصام كامل

الذين أضاعوا مشروعى "الحرية والدولة"


من أكبر خطايا مبارك في إفساد الحياة السياسية، أنه قام بتسليم ملف الأحزاب والجماعات والجمعيات للأجهزة الأمنية، وبالذات جهاز مباحث أمن الدولة، الذي اتبع معها سياسة الطريق الواحد.. وقد صنع ذلك بأجلى ما يكون مع جماعة الإخوان بحيث جعلها دائما في موضع رد الفعل المحسوب، وإذا حدث أن بادرت الجماعة بأخذ زمام المبادرة، أو تجاوزت في رد الفعل، فإن جهاز أمن الدولة لا يتوانى عن الدخول في معركة تكسير عظام الجماعة.. هذا بالإضافة لسياسته الثابتة في التنصت على قيادات الجماعة ومتابعة تحركاتها ولقاءاتها وتصريحاتها، وأيضا في إلقاء القبض على العناصر المفصلية داخل الجماعة بهدف إرباك استراتيجيتها، والحد من نشاطها العام، وعرقلة جهودها التربوية والدعوية.. وعادة ما كان يصاحب خوض الجماعة لانتخابات مجلسى الشعب والشورى، اعتقالات وحبس احتياطي لمئات وربما آلاف من الإخوان بهدف تقليص عدد المقاعد التي يمكن أن تحصل عليها الجماعة..


ومن أجل التحديث المستمر للبيانات والمعلومات الخاصة بالجماعة، كان جهاز مباحث أمن الدولة يقوم بشكل ممنهج باستدعاء أفراد الإخوان لاستجوابهم والتحقيق معهم بشأن مواقف أو أحداث بعينها، أو للتعرف على رؤيتهم تجاه سياسات الحكومة، أو لإبلاغهم وتحذيرهم بعدم اتخاذ مواقف معينة.. وكان من الأمور المعتادة سؤال هؤلاء المستدعين عمن يأخذون أوامرهم وتعليماتهم، وعمن يتبعهم من الأفراد، وحتى يقطع المستدعون الطريق على ضباط الجهاز، فإنهم كانوا ينكرون انتماءاتهم أو تبعيتهم أصلا لجماعة الإخوان، يفعلون ذلك مع ضباط أمن الدولة أو حتى نيابة أمن الدولة.. وقد يتوقف الضابط المحقق عند هذا الحد، أو يلجأ إلى التهديد بالتعذيب، أو يقوم بالتعذيب فعلا، من ضرب وتعرية وتعليق وكهربة.. وفى هذه الحالة، غالبا ما كان الأفراد يعترفون بكل أو ببعض ما يطلب منهم..

لأجل ذلك، حرصت قيادة الجماعة على أن تكون المعلومات المتاحة لدى الأفراد محدودة للغاية، وبما يعينهم فقط على أدائهم لدورهم داخل الجماعة، حتى إذا تعرض أحدهم لتعذيب شديد يوما ما، فلا يفصح إلا عن هذا القدر المحدود.. وقد نشأ عن ذلك، هوة كبيرة بين الأفراد وقيادات الجماعة، خاصة العليا منها.. فالأفراد لا يعلمون شيئا عن هذه القيادات، ولا الحيثيات التي بنوا على أساسها قراراتهم ومواقفهم، وما يربطهم بالقيادات هو السمع والطاعة والثقة في القيادة.. كما نشأ أيضا إسباغ هالة من القداسة على القيادات، خاصة أنه لم يكن الظرف ولا السياق الذي كانت تمر به الجماعة آنذاك يسمح بمساءلة أو محاسبة لهذه القيادات..

لأجل ذلك كله، اختصر الإخوان حلمهم في مشروع اللحظة وهو الإصلاح السياسي وهو نفس مشروع كل القوى السياسية والوطنية، باعتباره المدخل الصحيح لكل أنواع الإصلاح الأخرى؛ الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.. ثم كانت مبادرة الإصلاح التي تبنتها الجماعة عام ٢٠٠٤، والتي تضمنت كل جوانب الإصلاح الداخلية والخارجية من خلال أفكار وأطروحات عامة.. بعد ذلك، طرحت الجماعة برنامج حزب عام ٢٠٠٧، وقد نال هجوما من جانب بعض السياسيين والمثقفين في بعض مناحيه.. وقد كان هذا البرنامج هو النواة الأساسية لبرنامج حزب الحرية والعدالة فيما بعد.

لقد كان أهم ما تحتاجه وتتطلع إليه الجماعة قبل ثورة ٢٥ يناير هي الحرية.. حرية التربية والدعوة.. وعندما جاءت الحرية، عقب الثورة، لم يحسنوا التعامل معها، ولا تقدير استحقاقاتها ومتطلباتها.. وبدلا من التأنى والتمهل واستثمار مشروع اللحظة لأقصى مدى، إذا بهم يقفزون مباشرة إلى مشروع الدولة، دون أي تهيئة أو أدنى استعداد، خاصة مع وجود أفكار ملتبسة حول الوطن والديمقراطية والمواطنة.. لذلك، فشلوا في المشروعين؛ مشروع اللحظة ومشروع الدولة..
نقلا عن جريدة فيتو
الجريدة الرسمية