عقول مُختلة أو مُحتلة
تأثرت مصر بالكثير من الثقافات، لأنها جاذبة بما لها من موقع ومكانة، بالكثير من الغُزاة والمؤامرات لاختراقها، إلا أن المصري لم يكن لتتغير شخصيته إلا بما يمكن أن يتقبله ويتماشى معها، فأخذ المصري ما توافق مع طبائعه، وترك غيره، ولم يتقبله، حتى مع غطرسة المُحتل وفتكه بالمواطن!! فشخصية المصري عنيدة وعصية على التغيير، وذاك هو معيار تقييمه وصُلب تكوين، وهكذا سقطت نكسة يناير، لأن المصريين لم يتقبلوا استهداف جيشهم أو مؤسسات وطبائع مصر المُعتدلة، ويقف الشعب اليوم ضد ما بدأ يُعرف بالطابور الخامس، لأنه يُدافع عن الإرهاب تحت زعم الإنسانية، مُقترفًا خطأه الكاشف، في رغبة لتشويه الشخصية المصرية الوسطية واستغلال المعايير الأخلاقية في تحصين اللا أخلاقي!!
يبدأ التقسيم بين المواطنين في أي بلد نامي، على أسس تافهة، مثل نوادي الكرة أو التفرقة بين طبائع أهل المُدن، ثم يتطرق إلى اختلاف الأديان أو الأيديولوجيات، ثم ومع سطوة دين أو أيديولوجيا، خلق الخلاف بين مُعتنقي الدين الواحد أو الأيديولوجيا، ثم ومع الخلافات والنزاعات، يصل الأمر إلى التقسيم الفعلي على الخرائط!! إن من يُقسموننا على أي أساس، إنما هم جهلة أو مرضى أو خونة وعُملاء، لأن الفارق شاسع بين فكر ينبني على أُسس التفريق بين من يعلم، ومن لا يعلم أو يفتي أو من يستعلي أو من ينتهك وحدة وطن وتماسك مواطنين!!
وقد ظهر من اليوم الأول، لنكسة يناير، جهل الكثيرين من مرتادي الميدان أو تعمد المُحركين - إما من تلقى منهم أجر أو من كان يُريد اعتلاء السلطة لأغراضه، كان الجهل بالسياسة مُريعا أو حول كيفية تحقيق الهدف الذي أعلنوه هم أنفسهم، حيث أن ما فعلوه، لا يؤدي إلى هذا الهدف أبدًا، وما يفعلونه الآن، إما ممثلين في الإخوان أو فيمن يدافعون عنهم، يبعدهم كل البُعد عن المصريين، سواءً كانوا ممن رفض النكسة من البداية أو من اكتشف الخديعة متأخرًا!!
وقد تعمد مُحركي النكسة، أن يكون فعلهم حاويا للكثير من الأيديولوجيات السياسية، بمثل ألوان الطيف، بحيث يجد كل من يشتهي الوقوف ضد النظام، أن يقف مع فصيل يُمثله، فأحدثوا الفوضى غير المفهومة للكثيرين، فلم نجد شيئًا ملموسًا في الميدان يمكننا البناء عليه، ثم حدث الاختلاف المتوقع فيما بينهم، وفرق الإخوان بين زائري الميدان، ليسودوا المشهد، بالكرت الفائز على طاولة الشطرنج المصرية: الدين!!
وفشل الكرت، لأنه لم ينزل على الطاولة، بالمعايير المصرية، بل برؤى المُحتل الغريب عن مصر، فكان الرفض الشعبي العارم!! وفشل اللاعب المدني في الميدان أيضًا، لأنه طرح فكرًا غريبًا، لا يمت للواقع المصري بصلة تُذكر، وظهر أنه أتي من بلاد بعيدة، ليخترق العقل والقلب المصري!!
لقد هلَ علينا الطرفان، برؤى شرقية وغربية، وطلاسم غير مصرية، فكر مختل أو قل محتل للثقافة الوطنية، فرُفضت الكروت كُليًا، وما زالوا غير مخلصين في الفضائيات وعلى صفحات الجرائد، يعرضون فكرًا لا يمت لتُربة الوطن بأي صلة، بعضهم يظن أنه يعرض سياسة، ولكن كيف يكون الأمر مُعبرًا عن السياسة، طالما يبعد كليًا عن أي غرس مصري أصيل؟!
نحن مصريون، لدينا ثقافتنا، التي تاهت عقودا ولكنها متواجدة، وما علينا إلا أن نبعثها من غفوتها، لتعود ونسترجع الأمجاد بصيغة أكثر وضوحًا، بعد أن مكنتنا الظروف لرفض التبعية للأجنبي والثورة ضده بعقلانية قادة جيشنا الذين أثبتوا هم أيضًا أنهم الأكثر ولاءً ووفاءً للشخصية المصرية وثقافة تربتها الأصيلة ومصر كلها!!
تحيا مصر