رئيس التحرير
عصام كامل

سلوكيات مصرية


أتعايش يوميًا مع سلوكيات تثير اشمئزازى، وأحيانًا أجدنى رافضًا الطعام محاولًا التقيؤ بلا جدوى، وهذا من أثر ما أراه من سلوكيات بعض المصريين وأنا أسلك يوميات الحياة.

فمثلًا، عندما يجوب بخاطرى أن أشترى "لب" للتسلية وأذهب إلى أقرب مقلة أراقب البائع وأنبه بعدم نفخ الكيس الذي يعبأ فيه، فمن البائعين من يبيع لى مستنكفًا محتقرنى ومنهم من يتطاول على بالقول قائلًا هتشترينى بالجنيه بتاعك وهذا عندما أُمسِكَ به متلبسًا بنفخ الكيس مخرجًا رزازه بداخله.

وفى بعض المحال لم ينتبه البائع وهو يحاول بل أصابعه بريق فمه ليتمكن من الإمساك بورقة واحدة من ورق لف البضائع وتكون آثار ريقه مازالت على الورقة وإذا قمت بتنبيه بأننى لا أريد الشراء أو حتى يُطلب منه بأدب تغيير الورقة قبل لف البضاعة تجده مستغربًا موهمًا بما يُطلب وهو محق فيما يفعل، فما يفعله طبيعي وأصبح من مجريات الحياة اليومية التي نعيشها وخصوصًا أنه لم يستوقفه زبون مستنكفًا فعلته المقززه هذه.

وقد يضحك أحد الأثرياء الذين لا يشاهدون هذا الأفعال، لأنهم يشترون بضائعم واحتياجاتهم من مولات ضخمة، أحب أن أقول لهم إن ما ترونه هي القشرة الخارجية ولكن حاول أن تنظر كيف يتعاملون مع الأغذية في المخازن والمصانع ربما تمتنع عن الطعام والشراب.

لأنه ببساطة الشخص الذي يتصرف بطبيعته في تلك المحال البسيطة هو نفسه الذي يعمل في كبرى المحال فهو يحيى الجهل مها بلغ تعليمه.

فما بالك وقد رأيت فكهانيا أراد أن يرش المياه على الفاكهة لتبدو طازجة فجاء بكوب مملوء بالماء وارتشف منه كمية ثم أخرجها في صورة رزاز من فمه مباشرةً على الفاكهة ربما لم يكن معه حينئذ ثمن شراء رشاش! ربما!! وكان هذا أمام كل الزبائن ولم يشتك أحد منهم وأقبلوا بنهم على البضاعة المعروضة والمرشوشة من خلال فم التاجر لفرزها وتعبئتها لوزنها وشرائها.

وعندما غلبنى الجوع يومًا وأنا في الطريق إلى عملى، رأيت محلا لبيع سندوتشات الكبدة فكان محلا نظيفا من الداخل والخارج وكذلك لفت نظرى نظافة وشياكة الشباب الذي يعمل في المحل فطمأن قلبى للطعام ولكن عندما انتهيت من طعامى جاء أحد شباب المحل ليجمع الأطباق ومتبقيات طعامى فلفت نظرى أنه لا يرمى الطرشى المتبقى من طعامى بل يرميه في برميل الطرشى لإعادته لزبون آخر وكذلك متبقيات الكبدة غير المأكولة لإعادة بيعها، فدفعت الحساب وقررت ألا أكل في محال مرة أخرى إلا أننى وبالصدفة قد استضافنى أحد الأصدقاء للغداء في أحد فنادق الكبرى وغلبنى الفضول للتجول بنظرة خاطفة داخل بهو المطبخ الذي كان قريبًا من صالة الطعام، فوجدته رغم كثرة الشيفات لا يختلف كثيرًا عما رأيته في مطعم الكبدة.

فالمشكلة إذن ليست في كبر أو صغر أو فقر أو غنى المطعم، المشكلة في ثقافة المجتمع الذي نعيش فيه يستهين بصغائر الأمور التي هي سبب كل كوارثه التي يقابلها في حياته، فمعظم أخطر الأمراض التي نعانيها جميعًا في مصر بسبب التلوث في كل نواحى حياتنا فكان اهتمامنا بالعرض أكثر من السبب الذي لا يراه الكثير أنه السبب الحقيقى لكوارثنا.

فنجد أن كثيرا من الشعب المصرى يعشق البطيخ وبعد بصق اللب يُجمع ويُضع على النار مع قليل الملح والكل يتناوله باستمتاع بحجة أن النار تقتل كل الميكروبات.

فكان التطور الطبيعى لهذا العبث الغذائى أن نجد من يجمع متبقيات المستشفيات ليُعيد تصنيعها وعمل أطباق الكشرى وكل البلاستيكات المستعملة في المنزل ولاحظ أن مديرى المستشفيات من الأطباء يعلمون جيدا وهم يبيعون مخلفات المستشفيات ما هي نتيجة إعادة تدويرها فهل النار ستقتل الميكروبات في هذه المخلفات؟!!!!!

نحن نحتاج ليس لدستور ولا قانون ميت بلا تفعيل، كل ما نحتاجه إعادة ثقافة المجتمع المصرى من جديد حتى نتخلص من قيود الجهل الذي يحول بيننا وبين تقدمنا لنصبح بين صفوف الأمم المتقدمة.
الجريدة الرسمية