رئيس التحرير
عصام كامل

الدروس الخصوصية سرطان.. 12 مليار جنيه حجم الإنفاق.. «قاهر الفيزياء» و«إمبراطور الرياضيات» و«فرعون الكيمياء» أبرز الألقاب للدعاية.. ابتزاز للأسرة وإرهاق للتلاميذ.. خضر: ال

الدروس الخصوصية -صورة
الدروس الخصوصية -صورة أرشيفية

«قاهر الفيزياء» و«إمبراطور الرياضيات» و«فرعون الكيمياء»، وغيرها من ألقاب أطلقها المدرسون على أنفسهم للترويج والدعاية لهم، وكان أطرفها«.. للحصول على 50 من 50 في الفلسفة..»

لا يزال سرطان الدروس الخصوصية ينهش جيوب أولياء الأمور بلا شفقة أو رحمة، وتحولت إلى «إدمان» للمدرسين وأولياء الأمور، رغم أن وزارة التربية والتعليم قامت برفع رواتب المدرسين أكثر من مرة، والمثير أن مذيعة «بإحدى الفضائيات» كانت تجرى حوارًا مع د.حسين كامل بهاء الدين - وزير التربية والتعليم الأسبق- في بيته، ولما سألته المذيعة عن ابنائه، قال: هم في الغرفة المجاورة ومعهم المدرسون الخصوصيون!!


أينما تولى وجهك تجد إعلانات المدرسين الخصوصيين، عندما تخرج من المسجد تجد شبانًا يوزعون أوراقًا كدعاية للمدرسين بها أرقام هواتفهم المحمولة، مع وعد بالحصول على الدرجات النهائية في جميع المواد، تحاصرك الإعلانات، في وسائل النقل الجماعى ومترو الانفاق ومحطات الأتوبيس، ونظرًا للاقبال الشديد على المدرسين - الذين تم الحجز معهم قبل بدء الدراسة بشهر- فقد تمتد الدروس الخصوصية حتى مطلع الفجر!

وبالطبع استخدم المدرسون «ثورة الاتصالات» بالدعاية لأنفسهم بـ«الإنترنت» للوصول لأكبر عدد ممكن من الطلاب في ثوان، وبالطبع فولى الأمر هو الضحية.

الإقبال على أشده في اللغات الأجنبية ثم الرياضيات فالكيمياء والفيزياء والأحياء والفلسفة وعلم النفس، حتى اللغة العربية، لكن الأمر لم يصل بعد إلى «الألعاب» و«الدين». وسعر الدرس الخصوصى يرتفع في المدينة عن الريف، وفى مدارس اللغات والقومية والتجريبى عن الحكومية، وترتفع «الفيزيتا» إذا تم إعطاء دروس الرياضيات أو المواد العلمية باللغات الأجنبية.

متوسط انفاق الأسرة المصرية السنوى على التعليم بلغ 3760 جنيهات في المدينة، مقابل 1932 جنيهًا بالريف، ومتوسط الانفاق على الطالب بالتعليم الخاص 4454 جنيهًا، ونسبة الانفاق السنوى على الدروس الخصوصية ومجموعات التقوية 24.1٪ من إجمالى الانفاق على التعليم، بما يوازى 12 مليار جنيه سنويًا وارتفعت نسبة الطلاب الذين يحصلون على دروس خصوصية في المرحلتين الثانوية والاعدادية، مقارنة بطلاب الابتدائية.

الأسباب التي ساعدت على انتشار الدروس الخصوصية: عدم كفاية شرح المدرس وضمان المزيد من الشرح، وضغط المدرسين على الطلاب لأخذ دروس خصوصية، وزيادة كثافة الطلبة في الفصول، وضعف مستوى الأبناء وعدم الرقابة على العملية التعليمية، وصعوبة المناهج الدراسية، وارتباط زيادة المجموع بالدروس الخصوصية.

الدكتورة سامية خضر صالح - أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس - ترى أن من الأسباب الرئيسية التي ساعدت على تفشى تلك الظاهرة هي الإعداد المهولة من التلاميذ داخل الفصول التي لا تسمح للمدرس أن يصل لكل تلميذ، فالعدد كبير ولا يسمح بالتفاعل بين المعلم وطلابه بأى شكل من الأشكال، بخلاف سلوكيات التلاميذ التي تغيرت للأسوأ جيل بعد جيل، ولهذا يكون الجو التعليمى مشحونا بالمشاغبات التي تهدر الوقت في المدارس، ولأن الدروس الخصوصية لم توضع لها الحلول منذ ظهورها فأصحبت ظاهرة منتشرة، وأصبح المدرسون يقومون بالدعاية لأنفسهم على حوائط الأسوار وفى الميادين على مرأى ومسمع من الحكومة، وهذا بخلاف المراكز التعليمية وفصول التقوية.

د.سامية تقترح بناء أعداد كبيرة من المدارس لاستيعاب هذا العدد من الطلاب ولتقليل اعداد الطلاب داخل الفصل وتؤكد على أن الدروس الخصوصية مفيدة ومهمة من وجهة نظر أولياء الأمور، فهم يسارعون لإعطاء أبنائهم الدروس الخصوصية لأنهم يعلمون بالخلل في المنظومة التعليمية، ويعتقدون بذلك أنهم يساعدون أبناءهم على التفوق، كما تعد بابًا للثراء الفاحش للمعلمين ولا يمكن إغلاقه مهما كلف الأمر، وتشير سامية خضر إلى أنه يجب تدعيم القنوات التعليمية التليفزيونية أكثر من ذلك وإعطاء كل مادة وقتا كافيا للشرح على شاشات التليفزيون، فقد تساعد في إصلاح المنظومة التعليمية.

العلاج
الدكتور حسين بشير - أستاذ المناهج وطرق التدريس بجامعة القاهرة- يرجع الأسباب التي أدت لزيادة تلك الظاهرة إلى التدنى في أداء العملية التعليمية منذ سنين، مما اضطر أولياء الأمور لتعويض القصور داخل المدارس عن طريق الدروس الخصوصية.

بشير مضيفًا أن هذه الظاهرة لا يمكن حلها في فترات قصيرة لأنها تتطلب خطة مدروسة وتضافر كل الجهود من القائمين على التعليم مع أولياء الأمور، وبعد التشخيص ومعرفة الأسباب يأتى العلاج، ومن الأمور التي زادت من تدنى العملية التعليمية كثرة تغيير وزراء التعليم فمنهم من احتل المنصب لعشر سنوات، ومنهم من لم يستمر سوى شهور، ولكل منهم خطة وطريقة في الإدارة، وهذا من سلبيات السياسة في مصر، سواء تعليمية أو غيرها، لأنه يجب إعداد خطة سياسية للتعليم يقوم بتنفيذها كل وزير ولا تتغير بتغيره، بل يأتى من بعده ويكملها، وشدد «بشير» على أن رفع مرتبات المعلمين وزيادة الكادر التعليمى لن تقلل من الدروس الخصوصية، لأن حصول المعلم على مرتب يكفيه هو حق من حقوقه، وأن الخلل يكون من المنظومة التعليمية التي تحتاج إلى إصلاح دقيق حتى نوفر ملايين الجنيهات التي تضيع على حلول غير مدروسة، كما أن الدروس الخصوصية تؤثر بالسلب على شخصية الدارس الذي ينتقل من المرحلة الثانوية إلى الجامعة، لأنها تخلق بداخله نوعًا من الاتكالية والاعتماد على المدرس في شرح مالا يستوعبه، وبالتالى يحدث نوع من الخمول العقلى له، ويبعد عن الابتكار لأنه عاش سنوات على طريقة التلقين وليس الابتكار.
الجريدة الرسمية