لا للمحاكمات العسكرية للمدنيين
جاء إصرار لجنة العشرة، على أن تتضمن مسودة الدستور نصا خاصا يتيح محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري، وتبرير عدد من أعضاء لجنة الخمسين لهذا النص، مخيبا لآمال الكثيرين.
فقد شاهدنا خلال الفترة الأخيرة، تصريحات لعدد من الممثلين في لجنة الخمسين -من المفترض أنهم محسوبون على الثورة- من شأنها تبرير المحاكمات العسكرية للمدنين، وكان أهمها تصريحات المتحدث الرسمي باسم حملة تمرد، الذي برر هذه المادة بإعلانه أنها جاءت أكثر تحديدا من دستور 2012، متناسيا أنه شخصيا سبق وأن اكتوى بنار هذه المحاكمات أثناء فترة حكم المجلس العسكري، وكذلك أيضا تصريحات الدكتور محمد السلماوي، المتحدث الرسمي للجنة الخمسين، الذي أعلن صراحة أيضا أن الدستور سيقر هذه المحاكمات، مبررا ذلك بوضع ضمانات لعدم إساءة استخدامها.
والحقيقة، أن ما أصرت عليه لجنة العشرة، وتحاول لجنة الخمسين تبريره، يعد بمثابة إضفاء شرعية دستورية علي انتهاك واضح وصريح لحق أساسي من حقوق الإنسان، لم يجرؤ حتى نظام مبارك -الذي كان أحد أهم أسباب الثورة عليه هو غياب العدالة- على دسترته.
نعم، فمحاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري تعد انتهاكا واضحا لأحد أهم الحقوق التي كفلتها معظم المواثيق والمعاهدات الدولية لحقوق الإنسان، والتي أكدت على حق أي مواطن مدني، محل اتهام، في محاكمة عادلة من قبل محكمة مختصة ومستقلة ومحايدة، وهو ما لم يتوافر في المحاكمات العسكرية التي يكون فيها الخصم والحكم من العسكريين.
وبالإضافة إلي أن نص المادة التي تضمنتها مسودة الدستور تعد اعتداء على حقوق الإنسان، فهي مادة واسعة وفضفاضة، فتفسير عبارة "لا يجوز محاكمة مدني أمام القضاء العسكري إلا في الجرائم التي تمثل اعتداء مباشرا على القوات المسلحة" مسألة نسبية تختلف من فرد لآخر، فما يراه المواطن أنه ليس اعتداءً مباشرا ، قد تراه المؤسسة العسكرية، أنه اعتداء مباشر عليها، وهو ما قد يؤدي إلي توظيف هذه المادة في تصفية صراعات شخصية، يكون أفراد القوات المسلحة طرفا فيها، وتعد قضية لاعب نادي الزمالك خير دليل علي ذلك.
وأخيرا أود أن أؤكد على أن حجة المؤسسة العسكرية بأن هذه المحاكمات ضرورة في ظل الأوضاع الحالية التي تشهدها البلاد، ليست صحيحة على الإطلاق، ويعد خير دليل على ذلك إحالة كفة المتهمين في أحداث الحرس الجمهوري للقضاء المدني، وبالتالي فهو قادر على نظر كافة الاتهامات، حتى التي تتعلق بالإضرار بالقوات المسلحة، فمن حق أي مواطن أيا كانت تهمته أن يحاكم أمام قاضيه الطبيعي، وهو ما صرح به رئيس الجمهورية ذاته في حواره الأخير.
ولذلك، ولكل هذه الأسباب، أتمنى أن أرى في مسودة الدستور التي سيُستفتى عليه الشعب نصا واضحا وصريحا يحذر محاكمة المدنيين أمام القضاء السعكري، بدون أي استثناءات.
nour_rashwan@hotmail.com