التنمية.. وشبكة الطرق الحديثة
لا شك أن شبكة الطرق الحديثة تلعب دورًا بارزًا في عملية التنمية، لأن هذه الشبكة هي البنية التحتية التي تستخدمها وسائل النقل، سواء نقل المواد الخام التي يستخدمها المنتج، أو نقل العمالة من أماكن سكنهم المتفرقة إلى مقار أعمالهم، أو نقل المنتج النهائي إلى الموزع أو تاجر الجملة أو المستهلك النهائي، أو نقل السياح من أماكن سكنهم إلى المزارات التي يرغبون في التوجه إليها، أو نقل الطلاب إلى مدارسهم وجامعاتهم. وعلى قدر جودة وكفاءة وفاعلية هذه الشبكة تكون السيولة المرورية، فإن كانت متدنية كانت السيولة كذلك. وإن كانت على النحو المرغوب فيه كانت السيولة كذلك أيضًا.
وتصور إمكانية إنفاذ أي خطة تنمية دون أن تخدمها شبكة طرق تتمتع بالجودة والكفاءة والفاعلية هو تصور أقرب إلى احلام اليقظة التي تصيب من يعجز عن الفعل والحركة. ومصر وهي تفكر في محاولة النهوض بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية تعاني مما لا يخفي على أحد بخصوص شبكة الطرق فيها. فهي تعاني أشد المعاناة من قصور فادح في شبكة الطرق بها، سواء من حيث الجودة، أو من حيث الكفاءة، أو من حيث تغطية خريطة مصر.
فمن حيث الجودة يبدو أن المواد الخام المستخدمة في رصف الطرق في مصر تختلف عن تلك التي تستخدم في بعض الدول العربية المجاورة، ناهيك عن الدول المتقدمة. وقد يكون السر في نسب الخلطة المستخدمة. رغم تخمة كليات الهندسة بتخصص هندسة الطرق سواء على مستوى الخريجين أو على مستوى هيئات التدريس بها ومن ثم على مستوى الأبحاث والدراسات في هذا التخصص.
وبسبب سوء هذه المادة أو نسب خلط المواد المستخدمة فيها يقصر عمر الأرصفة وتتعرض للتآكل والتلف على نحو أسرع من نظيراتها في الدول الأخرى، بالإضافة إلى ذلك يجري رصف الطرق بشكل بدائي للغاية حيث يغلب عليه التموجات والانكسارات سواء في بطن الطريق أو على جانبيه حيث لا يتم العمل وفقًا للمواصفات القياسية المصرية المعتمدة، ولا توجد رقابة على هذه الأعمال، ولا يتم استلام الأعمال وفقًا للمعايير المعتبرة علميًا. كما أنه لا توجد معايير في تقدير اتساع الطرق وفقًا للاحتياجات الحالية والمستقبلة وكأننا حين نخطط لأعمالنا لا تتخطي نظرتنا شراك نعالنا، كما لا يؤخذ في الاعتبار البنية التحتية من كهرباء ومياه وتليفونات باعتبارها العدو الأكبر للأرصفة. زد على ذلك سلاسل المقبات المنزرعة بصورة بالغة العشوائية على طول الطريق بهدف تعطيل الحركة الانسيابية الناعمة. وحتى الآن لم أجد تفسيرًا مقنعًا لعلة ضيق الطرق الصحراوية السريعة وسوء حالتها، فضلًا عن سوء حالة الخدمات المتوفرة على جانبيها أو انعدامها، وكذا الخدمات المرورية وإسعاف الطرق والخدمات التليفونية، ناهيك عن إضاءة هذه الطرق الموحشة. وسوء حالة شبكة الطرق في مصر تؤدي في إحدي صورها إلى زيادة معدلات استهلاك السيارات وتلفها بما يشكل عبئًا إضافيًا على الدولة. وفي صورة أخري استهلاك الوقت على نحو غير اقتصادي، إذ إن الوقت في النهاية له قيمة اقتصادية.
فهو يؤثر سلبًا على تكلفة المنتج النهائي سواء كان في صورة سلعة أو خدمة تقدم لجمهور المستهلكين. ولذا فإن أولى خطوات الطريق الأمثل للتنمية في مصر هي إصلاح وصيانة وتجويد شبكة الطرق بها بحيث تؤدي مهمتها في أي خطة تنمية قادمة بالكفاءة والفاعلية المطلوبة. وإلا سقطت هذه الخطة في مستنقع الأرصفة المتهالكة. ناهيك عن نزيف الدم الناجم عن الحوادث الذي يمثل استنزافًا للموارد البشرية باعتبارها أحد أهم الموارد الاقتصادية.