ازدراء الكتاب
راجت في العام الفائت، عام حكم الإخوان المسلمين، تهمة ازدراء الأديان وطالت الناس منهم فنانون – عادل إمام مثلا- وكتاب للمدونات ومنهم أطفال ومنهم مدرسة لم يعجب أحد الطلاب شرحها في مادة التاريخ، وهكذا صارت كما يقول المثل "لبانة"، واليوم الثلاثاء تنظر محكمة «ببا» في بني سويف نظر المعارضة في الحكم بسجن الناشط الحقوقي كرم صابر خمس سنوات بتهمة ازدراء الأديان، والتهمة جاءته من شخص تقدم يتهمه بذلك بسبب قراءته مجموعته –مجموعة كرم صابر– القصصية «أين الله».
وعنوان «أين الله»، ليس جديدًا في القصص فهناك قصة قصيرة قديمة ليوسف السباعي وجميلة اسمها «أين الله»، وهناك قصص أخرى أيضًا، والسؤال هنا ليس فلسفيًا لكن حالة من الحزن والضيق تنتاب شخصية القصة فينادي الله يارب انت فينك وكل دا بيحصل، وهكذا..
مناجاة يائس يفعلها مئات الناس في الحياة كل يوم تحولت إلى تهمة ازدراء أديان، وحكم فيها بخمس سنوات على المؤلف، ولا أعرف كيف سيكون الحكم اليوم في المعارضة وأرجو أن يكون حفظ هذه القضية لأنها أثيرت من غير ذي صفة، أرجو وأحلم أن يتكرر حكم الاستئناف في قضية عادل إمام الذي قدم دفاعا مجيدا عن حرية التعبير وعن العلاقة بين الفن والتلقي والتي هي ليست علاقة قسرية فيستطيع المتلقي ألا يتعامل مع ما لا يعجبه من فن.
وهذا هو في الحقيقة جوهر المشكلة، فهذه القضايا ليست جديدة لكنها تثار بقوة منذ التسعينيات، جعلها الإخوان المسلمون طريقهم في الظهور في الحياة ومعهم بعض السلفيين، واندفعوا فيها أكتر حين وصلوا إلى مجلس الشعب عام 2005 فشهدت مصر هجومًا كاسحًا منهم في مجلس الشعب على الروايات والشعر والسينما والفن والأدب عموما.
ثم حين جاء مرسي إلى الحكم اندفع البعض في اتهام الآخرين بهذه التهمة كنوع من الانتقام أو الابتزاز حتى وصلت إلى المدارس، ثم فوجئنا بهذه القضية، فوجئنا بالحكم في الحقيقة، فهو كما تقول الشبكة العربية لحقوق الإنسان أكبر حكم في قضية من هذا النوع.
وهذا حقيقي، والذي أريد أن أوضخه هنا لكل من يفكر في إثارة هذه القضية ضد أحد، أي أحد، أو من يحقق أو يحكم فيها، أن العمل الفني أو الأدبي بعد أن يخرج من بين يدي الكاتب يصبح سلعة في السوق مثله مثل أي سلعة أخرى يستطيع أي إنسان أن يشتريه أو يتركه، ويستطيع إذا اشتراه أن يعيده إذا لم يعجبه أو يكتب فيه رأيًا مضادًا إذا كان كاتبًا أو يقول فيه هذا الرأى لمن حوله فيسهم في بواره، لم يحدث في تاريخ الفن والأدب والإبداع عمومًا أن فرض مؤلف كتابه على الناس، ووزارة التعليم مثلًا حين تفعل ذلك ببعض الكتب تقوم بتبسيطها للطلاب وحذف ما تراه غير متوافق مع قدراتهم العقلية والروحية.
يحدث ذلك في العالم كله، ويكون معروفًا أن هذه النسخة المبسطة هي للنشء وليست للكبار الذين هم أحرار في اقتناء الكتب أو رميها في الزبالة !!
ثم أن القصص والإبداع بالذات يمكن تأويله على أكثر من وجه، وما لا يعجب حضرتك قد يعجب حضرة الآخر وليس في الإبداع قول فصل وإلا صار شيئًا آخر غير الإبداع، وهنا يكون الإبداع قد فسد ولا يستحق الاهتمام، اليوم أتمنى أن نسمع حكما يدعم الحكم السابق في قضية عادل إمام ويدعم حرية الإبداع ويدعم العقل الإنساني في قضية الناشط الحقوقي كرم صابر الذي سألت إحدى شخصيات قصصة، كما يسأل كل اليائسين يارب أنت فين سايبنا في الهم ده؟
ibrahimabdelmeguid@hotmail.com