رئيس التحرير
عصام كامل

حالة الدكتور ياسر!


حين يكذب الواحد منا، فإنه يريد إخفاء حقيقة، أو إبقاءها! يفعل ذلك لتحقيق مصلحة، أو استمرار علاقة، وفى كل ذلك يحتاج الكذاب إلى ذاكرة حقيقية، حتى لا يناقض نفسه، كما يحتاج إلى «ناس هبلة» تصدق ما قاله، فضلاً عن أعصاب باردة لا تتأثر بالاحتجاجات المنطقية، إذا آفاق الحمقي، ورفضوا الأكاذيب!

ذلك شأن الكذاب..
فما شأن من ينفى.. ما يعتقد الناس أنه خطأ!
ذلك اسمه النافى!

وفى حالنا الرسمى.. فإننا لا نقول إن أحداً قد كذب.. لكن نقول إن أحداً رسمياً عندنا هو المتحدث الرسمى باسم الرئاسة يمارس وظيفة النفى!
مهمته الرسمية المطبقة حتى الآن هى: لا!
طول الوقت يقول: محصلش!

الرئاسة تقول.. أو تفعل.. فإن لم يعجب الناس القول.. أو الفعل.. عاد الناطق باسمها ليقول: ماقلناش!.. ما فعلناش ياناس وهذا طبيعى.. وعادى.. فوظيفة المتحدث الرسمى أن يحمى الموقف الرسمى وأن يبرره.. وأن يعيد تصحيح الأقوال والأفعال بوصفها فى السياق الكامل للنص الرئاسى بلا اجتزاء أو افتراء.

وحتى لا يزعل منى د. ياسر، وهو رجل طيب الملامح أشفق عليه، فإن وظيفته بالطبع وبالقطع تتعدى، النفى، إذ له فى المنصب وظائف، ومطلوب منه مآرب أخرى عديدة، تتكشف بدوام الممارسة والعطاء..

وأقول إننى أحمل مشاعر الإشفاق تجاهه.. وقد يبادرنى إلى رفض الاشفاق وهآنذا أسحبه.. وسبب الاشفاق حقاً أنه يبدو موزع العقل والنفس بين دروه الرسمى وقناعته الإنسانية.. وبالطبع هو يعلم أنه يعمل بالسياسة، والسياسة فيها فن الاقناع دون الاقتناع.. وهذا تعبير مخفف جداً حتى لا أذهب إلى ساحات المحاكم مؤقتاً!

إن النافى الرسمى مطلع على كل ما يدور تقريباً فى القصر الرئاسى.. وهو محيط باللقاءات وما يحدث فيها من كلام وكلام مضاد، تعبيراً عن مصالح الملتقين، ولعل أخطر ما خرج به الرئيس على العالم عامة، وعلى الشعب خاصة، الأسبوع الماضي، حواره مع محطة سى إن إن الأمريكية، حيث أجرت لقاء معه عبر مذيعها المشهور وولف بليتزر، وفيه التزم الرئيس بتشجيع الحريات وحمايتها وكذلك حماية الأقليات، ومن بينها الأقباط!
ولقد طالعت نفى الرئاسة عبر متحدثها بأن الرئيس ذكر الأقباط كأقلية، واستعادت صحيفة «المصرى اليوم» فى عدد لها يوم الثلاثاء ما ذكره د. مرسى فى سبتمبر الماضى من أن الأقباط جزء من نسيج الأمة وليسوا أقباطاً!

فما الفرق بين مرسى سبتمبر.. ومرسى يناير؟!
وهل لدينا رئيسان؟!.. بالطبع لا.. لدينا رئيس واحد هو الدكتور محمد مرسى المنتخب المدنى الديمقراطى.. إذن ما الذى حمل الرئيس على أن يكون الأقباط جزءاً من النسيج الوطنى فى سبتمبر.. ثم حمله على أن يكون الأقباط أقلية فى يناير؟!
ثم للإنصاف.. ترى هل استخدم الرئيس تعبير الأقليات «seirironim» بوصفه شائعاً وعادياً فى الحياة الأمريكية وعلى أساس أن أمريكا ذاتها مملوءة «بالفسيفساء» أى مجمع للأقليات وللتنوع المغدى البانى للحضارة الأمريكية؟!

أعتقد أن هذا صحيح إلى حد ما.. لكن الخطاب الذى يوجهه الرئيس للغرب يعلم جيداً أن الشعب سيقرأه على المواقع الالكترونية كاملاًَ.. وفى الشعب ما يزيد على 04 مليوناً يجيدون الانجليزية!

حسناً.. إن نفى المتحدث لتصريحات الرئيس عن استخدام كلمة «أقلية» جعلنى أعود إلى ما بثته الـ «NNC» على صفحتها وفيه ورد بالتأكيد كلمة «أقلية»!

ولا أحسب أبداً أن المتحدث أو النافى الرسمي.. لم يطالعها على الصحفة أو الموقع.. هذا إن لم يكن سمعها أصلاً على لسان الرئيس.. ثم إن الفيديو المبثوت على الموقع فيه مقطع للرئيس يتحدث بالإنجليزية مع وولف بليتزر فى الطرقة وهو يصافحه مودعاً.. وقد احتفظ الرئيس بكف المذيع فى كفيه فى إشارة ودودة، وقد لاحظت أن د. ياسر على واقف يتابع نهاية الحديث..

ولاحظت أيضاً أننا نظلم انجليزية الدكتور مرسي.. حسناً إن المقطع الذى تحدث فيه مع بليتزر يظهر أنه يتحدث بس «فلاحي» وليس كمن عاش فى أمريكا سنوات دراسة الدكتوراه.. خمس سنوات.. تكفى لتمكينه من اللكنة وبناء الجملة.. لكن «فلاحية» النطق وعفوية التعبير وتكرار مفردات على طريقة خطيب المسجد لزيادة توعية وإفهام المتلقين، لم تنف جميعها أن لديه إلماماً قوياً بجرامر الإنجليزية ومع الوقت.. ودأب الرئيس على تنشيط لغته.. سيستردها.. إلا أن كان أمضى سنوات الدراسة فى أمريكا.. معتزلاً!

ما يعنينى هنا.. لماذا الإنكار؟!

الأقباط ليسوا.. أقلية.. هم المصريون الأصليون استقبلوا المسلمين الفاتحين واسلموا على أيديهم.. وصرنا جميعاً منذ ألف وأربعمائة عام أخوة وشركاء فى الحلوة وفى المرة..

كان أولى بالمتحدث.. ألا ينفى طالما الكلمة مذكورة بالموقع.. وقد عدت إليها ونظرتها لأتأكد!
كان المطلوب منه أن يوضح «دواعى» استخدامها لمخاطبة العقل الأمريكى الذى لا تهزه مثل هذه التعبيرات..
فى كل الأحوال.. هل راجع المتحدث الرسمي، رئيسه فيما سينفيه؟!

ألا يناقش؟! ألا يصغى الرئيس لمن يناقشه؟! يصغي.. لكن.. النفى أسهل من المراجعة.. والتراجع أشد وطأة من تداعيات القرار السياسي؟! وهو.. ما نعيشه.. ونتوجع منه.. أشد الوجع!
الجريدة الرسمية