رئيس التحرير
عصام كامل

ليته.... أبي

زينب عبد الوهاب
زينب عبد الوهاب

كنت أنظر إليها في اندهاش وتعجب وهي تصرخ في وجه أبيها، نعم أبوها!! كانت تتهمه بتحطيم حياتها، وأنه سبب فشلها وشعورها بالتعاسة والحزن؛ لأنه يرفض أي عريس يتقدم إليها بحجة أنه غير مناسب وغير كفء وينقصه الكثير من المواصفات والشروط التي وضعها في زوج ابنته الوحيدة، وظلت تتهمه بالأنانية والتسلط والتعالي. 

حقا، لم أر في حياتي مثل أنانية هذا الأب الذي اشترى لوحيدته سيارة آخر موديل وبنى لها دورا كاملا في فيلا وجهزه لها أرقى جهاز، وبذل قصارى جهده حتى استطاع أن يوظفها في شركة كبيرة بسائق خاص، بعد أن صرف على تعليمها في أرقى المدارس والجامعات، ليس من حقه بعد أن فعل كل هذا أن يضع شروطا قاسية لمن يستحق أن تكون هذه الأميرة زوجته، فإنه يريد رجلا ذا أصل وتربية وأخلاق ومستقبل حتى يطمئن أنه سيترك له وديعته في أمان. 

ولكن هذه المتمردة سلبت هذه الحقوق من أبيها وصبت عليه اللعنات، وقررت ألا تتزوج حتى تحرق قلبه عليها، وهو يراها تذبل أمامه دون أن ترتبط بنصفها الآخر، وكانت صراخاتها كضربات حادة تنزل على رأسي فتفقدني الوعي وأعود بذاكرتي سنين كثيرة، ووقفت عند آخر يوم رأيت أبي وهو يشتري لي فستان العيد، وأنا في الثامنة من عمري، وأتذكر وهو يقول للبائع أريد فستانا فريدا؛ لأنك كما تراها ملكة صغيرة، وبالفعل كان فستانا فريدا؛ لأنه آخر فستان اشتراه لي أبي.

وللحق اشترت أمي لى فساتين كثيرة بعد ذلك ولكن ما فقدته كان أكبر من ذلك، فقدت الأمان والسند في الحياة، فقدت نصف الفرحة ونصف الأمل ونصف السعادة، افتقدته في المدرسة وأنا أذاكر مادة الرياضيات التي لم أفهمها، وافتقدته في احتقالات المدرسة، افتقدته وأنا أختار الكلية، افتقدت حكمته ورشده في أن يختار زوجي وعشت حائرة. ترى هل يصلح لي هذا الزوج؟ وماذا كان رأي أبي لو طلبني منه؟ افتقدت يده التي لم تمسك يد زوجي عند كتب الكتاب.

افتقدت إمضته على قسيمتي، افتقدت قبلته على جبيني يوم زفافي، افتقدت حمايته عندما يقسو علي زوجي، وتذكرت عندما كنت أجري على صورته الكبيرة التي تحتضن حائط غرفتي، وكيف كنت أجلس أمامها بالساعات أحكي له كيف جرى يومي، وأتباهى أني حققت له أمنيته وتفوقت في دراستي، وكنت دائما في آخر حواري أسأله أسئلة كثيرة، وأطلب منه أن يأتي لي في الحلم ويجيب هذه الأسئلة، كنت مصممة أن أجده في حياتي، حتى لو داخل خيالي فقط، أتعلمي صديقتي أني لم تقع الغيرة في قلبي قط إلا ساعة أن قال أمامي رجل: إن ابنتي ماسة نادرة لن أعطيها إلا لمن يستحقها، وقتها شردت وتساءلت ترى لو كان أبي حيًّا كان سيقول عني أني ماسته النادرة؟.

إذا كان أبوكِ رجلا قاسيا بالنسبة لكِ ولا تريدنه في حياتك، إذا كنتِ سئمتي خوفه عليكِ وحمايته لكِ، إذا كنتِ مللتي حبه وتعلقه بك، استسمحك عذرًا صديقتي إن قولت لكِ، ليته... أبي.
الجريدة الرسمية