الدكتور محمود عزب مستشار شيخ الأزهر لـ"فيتو": عدم الاعتراف بالآخر سبب فشل الحوار في مصر
- المواطنة والتعايش مع الآخر من أهم المبادئ الإسلامية
- الأزهر أبدى استعداده للحوار مع بابا الفاتيكان الجديد بعد اعتذاره
حوار: حسن الخطيب
أكد الدكتور محمود عزب مستشار شيخ الأزهر ورئيس مركز الحوار بالأزهر الشريف أن من يعتقد أن الناس كلهم يجب أن يكونوا على دين واحد أو ملة واحدة يغفل سنة إلهية وهي الاختلاف والتباين.
وتابع عزب في حوار لـ"فيتو": إن الأزهر الشريف مؤسسة تعليمية وليس تجمعا أو تحالفا لعلماء يدرس ويستوعب الدين الإسلامي الواحد بتنوع فهم الناس له على حسب ثقافاتهم وموروثهم الحضاري وما يقدمونه للارتقاء بقيم الدين الوسطي، وأضاف أنه لا يحق أن يكفر ولا يفسق أحد ما لم يفرط في ثوابت الدين والوطن وهوية الأمة وأن الأزهر الشريف يؤمن بالحوار والاختلاف ويعلي من نقاط الاتفاق ويبني عليها لمصلحة الامة ويدعو المختلفين أن يعذر بعضهم بعضا، وشدد عزب على أن الأزهر ضمير الأمة كلها وهو في قلب ثوراتها وضد التدخل العسكري الغربي في شئون الدول الإسلامية والعربية وخصوصا موقفه برفضه ضرب سوريا مؤخرا.
- بداية ما أسباب فشل الحوار في مصر؟
هناك خلل، لأن الحوار دائما يفشل في مصر، لأن له أسس ومبادئ ضرورية لا بد أن تتحقق وهي أولا الاعتراف بالآخر والاختلاف والتنوع الذي تحدثنا عنه في القرآن الكريم وأنك إن عارضت الآخر المختلف وأردت أن تسود وحدك حينئذ لا ينفع الحوار حول الدين وحول السياسة وحول أي شيء، الاعتراف بالآخر والاحترام المتبادل بيننا وبينه وهناك شيء مهم جدا نفتقده في مجتمعنا غير المثقف وغير الواعي هو في الحقيقة أننا لا نعترف بنسبية الآراء، بمعنى أن الإنسان وهو ذاهب للحوار لا يجب أن يتصور أن رأيه هو الحق المطلق بل يجب ألا يغيب عن ذهننا أن "رأيي نسبي ورأي الآخر نسبي يحتمل الخطأ والصواب"، ولذلك يمكن أن نتكامل لا أن يلغي بعضنا بعضا، وهناك نقطة أخرى مهمة في أساسيات الحوار وهي المعرفة بالذات والمعرفة بالآخر فمثلا إذا كنت مسلما وأتحدث عن الإسلام لا بد أن أكون عالما بالدين الإسلامي وأخذت علومه من مصادره الموثوق بها ووعيته وعيا كبيرا ودقيقا وعرفت أصوله وفروعه وأن أعرف الآخر الذي سأحاوره في الدين أو غير الدين ما هي حقيقته ولغته وثقافته ونتاج الحضارة التي تربي على تراثها، ثم يتم الاتفاق على مضمون وتوقيت الحوار، على أن يتم الالتزام بما يتم الاتفاق عليه مسبقا .
- هل هناك حوار عملي في الأزهر مع الإخوة المسيحيين شركاء الوطن؟
نعم هناك بيت العائلة وهو معمل للحوار العملي مع المسيحيين وهو مكون من مجلسين، هما مجلس أمناء ومجلس تنفيذي، مجلس الأمناء فيه علماء تاريخ وحضارة واجتماع وعلم أديان مقارن وشريعة وقانون إلى ما غير ذلك وهو يضع السياسة العامة لبيت العائلة، والمجلس التنفيذي يتكون من ثماني لجان أهمها لجنة التعليم والخطاب الديني ولجنة الأسرة والشباب، لكن هناك لجنتين متقدمتين جدا هما لجنة التعليم ولجنة الخطاب الديني، وهما المنوط بهما تدريب الوعاظ والقساوسة في دورات تدريبية ونجحتا نجاحا ساحقا وسنستمر بعقد الثالثة في نصف سبتمبر أو في أول أكتوبر وننتظر الظروف الأمنية المناسبة وهي جمع عدد من الأئمة والقساوسة لعقد دورة تدريبية لهم تستمر ثلاثة أيام أو أكثر في فندق واحد يتلقون محاضرات في الدين الوسطي والاعتدال والتسامح والاتفاق على أن الإسلام دين الرحمة والمسيحية دين المحبة والرحمة والمحبة كافيان لخلق مجتمع جيد، إلى جانب محاضرات في المواطنة المصرية وخصوصيات مصر عن بقية بلاد العالم وعن بقية بلاد العالم الإسلامي كذلك وهذه التجربة يقوم المتدربون فيها بلقاء شيخ الأزهر وقداسة البابا ويستمعون إليهم بعد إلقاء كلمتهم عن التجربة ويراقبون بعد ذلك في تفعيل النشاط في الاحياء والمناطق التي يعيشون فيها وتجاربهم فيها، والآن بدأنا بالقاهرة ونتنوع في الأقاليم ونركز على الأماكن الساخنة التي فيها ما يسمى بالاحتقان الطائفي .
-وماذا عن الحوار للأزهر الشريف خارج مصر؟
الأزهر
الشريف من خلال الرابطة العالمية لخريجيه له نشاط كبير في مختلف دول العالم لأن
الأزهر يدرس فيه طلاب من 106 دول، وهناك حوار للأزهر مع العالم كله ومنها جمعية
سانت دريو وهي جمعية إيطالية وهي ناشطة جدا ونحن ذاهبون لها آخر سبتمبر، وهناك
اتفاقية مع أساقفة كان تبري وهناك اتفاقية مع كبير الأساقفة عندما تم تنصيبه وأوفدني
الإمام في احتفالية كبيرة جدا حضرها الأمير تشارلز.
- هل هناك إشكالية في الحوار بين الأزهر والفاتيكان؟
نعم
كان هناك إشكالية في العلاقة مع الفاتيكان مع وجود اتفاقية بين الأزهر وبينه، لكن
الإشكالية مع الفاتيكان كانت تكمن في أن البابا الثالث بندكتوس في أول بابويته في
خطاب بألمانيا تحدث عن الإسلام بشكل غير لائق لا يقبله المسلمون وهو ربط الإسلام
بالعنف والأزهر بعد ذلك رد عليه ووجد أن هذه اللهجة مستمرة لأن البابا كان قد غير
مستشاريه وقد ترك الفاتيكان المستشارين الأكثر تسامحا، وكان منهم على سبيل الذكر
سفير الفاتيكان بالقاهرة وأصيبت العلاقة بين الفاتيكان والأزهر بفترات تعثر خصوصا
بعد أحداث كنيسة القديسين لأن البابا دعا العالم للدفاع عن مسيحيي مصر والعراق
والأزهر، وقلنا إن المفروض أن البابا يدعو إلى نصرة المظلومين في العالم كله وأن
المسيحيين في مصر أصحاب وطن وشركاء فيه وليسوا ضيوفا أو طائفة نازحة إلى مصر وليس
من حق البابا أن يفصلهم عن وطنهم الأم خصوصا أن الأزهر مهتم ببيت العائلة وحل
مشاكلهم اليومية وحاولنا جاهدين أن نجد أحسن الطرق لعودة العلاقات إلى أن رحل البابا
ونصب البابا الجديد وهنأناه وأبدى استعدادا طيبا للتواصل مع الأزهر الشريف وأرسل
خطاب شكر للإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب ووقع عليه شخصيا لأن عادة البابا لا
يوقع خطابا ولكن البابا أصر أن يستثني الأزهر وجاءت رسالة شكر موقعة بخط يده
وباسمه هو، والأزهر أبدى الاستعداد للحوار ما دامت الأرض صالحة لذلك وسنفتح صفحة
جديدة للتعاون على الأهداف المشتركة لصيانة منظومة القيم بين المسلمين والمسيحيين
في العالم باعتبار شيخ الأزهر شيخ الإسلام في العالم والبابا ممثل الكاثوليك في
العام كله أيضا.
- بالرغم من أن الإخوان أقصوا الآخر واستأثروا أنفسهم نود توضيح قيمة
المواطنة في الإسلام بين المسلمين وغيرهم من الديانات الأخرى لمعرفة حقيقة
المواطنة في الإسلام؟
الإسلام
أكد على حقيقة إلهية في خلق الله وهي الاختلاف، إن الله سبحانه وتعالي خلقنا
مختلفين والآيات القرآنية التي تدل على ذلك كثيرة، إذن الذي يتصور الكون على دين
واحد ووتيرة واحدة وملة واحدة هو في الواقع لا يعرف القرآن الكريم ولا يعلمه،
ويعارض سواء على وعي أو على غير وعي سنة الله في الأرض، ثم إنه لا تبديل لخلق الله
ولا لكلمات الله تعالى وبالتالي القرآن الكريم الذي رسخ الاختلاف على أنه دفع الله
تعالي الناس بعضهم ببعض وهو التنوع الذي يثري الإنسانية ويغنيها ويفقرها هذا سنة إلهية.
- ذكرتم أن التنوع يثري الإنسانية ويغنيها وهذه سنة الله إذن كيف قيد
القرآن الكريم في مقابل هذه السنة ضرورة التعايش والحوار بالرغم من أن البعض
يرفضها وبخاصة الإخوان ومن يواليهم؟
القرآن
وضع في مقابلها ضرورة التعايش والحوار والتفاهم، فالحوار للتعارف وليس إكراه الآخر
ليعرف كل منا الآخر ويحترمه كما هو على ألا يصول أحد على أحد لا مذهب ولا طائفة
ولا دين، ولذلك كان القتال في الإسلام دفاعا، الحرب في حق لديك شريعة ومن السموم
الناقعات دواء لا يلجأ إليها الإنسان إلا في الضرورة القصوى في الدفاع عن الدين
والوطن والعرض .
- هل الأزهر الشريف يدرس الإسلام المتنوع ويستوعبه بما أن الدين الإسلامي
واحد ولكن هناك ثقافات إسلامية متجددة في فهم الإسلام؟
الأزهر
الشريف بوصفه منبر وجامعة الإسلام الأولى في العالم منذ ما يزيد على 1050سنة كان
الأولى به والأجدر وهو كذلك فعلا أن يدرس هذا الإسلام المتنوع المتعدد، الأزهر
يعرف أن ثمة دينا واحدا هو الإسلام ولكن ثمة ثقافات إسلامية متجددة ومتنوعة، كل
بلد بحسب ما توصل إليه من حضارة استطاع من خلالها أن يرقى إلى درجة ما بالإسلام
وعلومه ولذلك يحرم عندنا في الأزهر الشريف الاقتتال المذهبي، نحن في الأزهر الشريف
لا نكفر أحدا ولا نبدع أحدا أو نفسق أحدا إلا ما كان ظاهرا ومتعارف عليه ويحدده
الدين ويحدد علاقتنا به، الأزهر يحمل هذه الرسالة المسماة الوسطية، وسطية الإسلام
لا إفراط ولا تفريط.
- هل الأزهر يتواصل بالحوار مع أصحاب الرؤى المتباينة مذهبيا وفكريا ومع
كافة الناس في قضايا الأمة المستقبلية؟
الحوار
في الأزهر الشريف، وفي مركز الحوار بالأزهر الذي أشرف أن أكون مسئولا عنه، الحوار
للتفاهم والتعارف والقيم العليا المشتركة بيننا وبين غيرنا سواء داخل المذاهب
الإسلامية المختلفة والمتنوعة أو بين من يتكلم عن الإسلام ومن يتكلم عن الحياة
المدنية العادية، وبيننا وبين البشر جميعا لأن القرآن الكريم يرسخ لاستخلاف الله
تعالى للإنسان في الأرض وأنه استخلفه ليعمرها، والكرامة للإنسان عموما ليس للمسلم
وحده ولا لليهودي وحده ولا للمسيحي وحده، لذلك الأزهر الشريف يهدف إلى ترسيخ ثقافة
الحوار وثقافة الحوار لا توجد في مجتمع استبدادي ولا مجتمع غير حر أو ظالم، ولذلك
نريد أن نتدارك ونغرس ثقافة الحوار في المجتمع المصري ونتمنى أن تعم المجتمع
الإسلامي.
- ما موقف الأزهر مؤخرا من ضرب سوريا؟
الأزهر
أول من أيد ثورات الربيع العربي ويتضامن مع الشعب السوري حتي بعد اختلاط الأمر في
سوريا وعدم وضوح الأمور هناك، لكن الأزهر ما زال مصمما على عدم التدخل العسكري
بالقوة من الأمريكان وأوربا لأن التدخل العسكري سيعود بالضرر على الشعب السوري
الشقيق وسيشعل المنطقة نارا ولن تسمح به مصر على الإطلاق، وهذا من ثوابت الأزهر لا
تدخل غربي في شئون الدول العربية والإسلامية.