لجنة الدستور وأنف الدولة
تقول الأسطورة القديمة، إن حاكم إحدى البلاد أصابه مرض خطير فلم يجد الأطباء طريقة لعلاجه سوى قطع أنفه، واضطر الحاكم أن يستجيب لأمر الأطباء والذين بدورهم قاموا بفعل ذلك، وبعد أن تعافى الحاكم ووجد وجهه "بشع" دون أنف، ولكي يخرج من هذا الموقف المحرج له، أمر الحاكم وزراءه وكبار موظفيه بقطع أنــوفـهم أيضًا، وصار كل مسئول في البلاد يأمر من هو أدنى منه رتبة بأن يقوم بقطع أنفه، إلى أن وصلت إلى كل موظفي الدولة وكل منهم عندما يذهب إلى بيته صار يأمر زوجته وكل فرد من أهل بيته بقطع أنفه، ومع مرور الوقت صار هذا الأمر عادة وجزءً من ملامح أهل هذه البلدة، فما أن يُولد مولود جديد سواء ذكر أو أنثى إلا ويكون أول إجراء بعد قطع حبله السري هو قطع أنفه، وبعد سنوات مرّ أحد الغرباء على تلك البلدة، وكانت المفاجأة أن أهلها كانوا ينظرون إليه على أنه قبيح وشاذ لأن أنفه سليم ولا يتدلي من وجهه، وصاروا يضحكون عليه بسبب وجود الأنف في وجهه!!!... أي تغيرت المفاهيم فصار الخطأ صوابا، والصواب خطأ.
المجتمع المصري يعيش حالة قريبة من تلك الأسطورة بعد أن تحالفت عليه الأنظمة الفاسدة مع المتاجرين بالدين معًا، فالأنظمة على مدي ستين عامًا حجبت عنه الديمقراطية بحجة وجود تيارات دينية، وجماعة الإخوان وغيرها من التيارات الدينية استغلت فساد تلك الأنظمة للمتاجرة وكسب شعبية، ليعيش المصريون تحت تحالف شيطاني استمر لعقود وأضر بالوطن كثيرًا وأعاده للخلف لسنوات طويلة، عقود تباري كل منهما في فرض قيمه الخاصة على المجتمع، فصار الفساد مبعثا للفخر بالنسبة للفاسد ولمن حوله، دون أدني حياء، وأتذكر حينما وقف "زكريا عزمي" رئيس ديوان رئاسة الجمهورية في عهد مبارك وهو تحت قبة البرلمان المصري معقبًا على حادثة "صفر المونديال" عام 2004 ليقول عن القائمين على ذلك الملف من المصريين إنهم "مظبطين لجنة التحكيم" في إشارة لعمليات رشاوي ومجاملات وذلك أمام الكاميرات ودون أدني حياء لسلطة أو دولة.
وعلي الجانب الآخر، فرض التيار الديني قيمه المتشددة على المجتمع، واستطاع ذلك التيار أن يربط الدين بالتشدد والعنف والهجوم على المختلف في العقيدة وغياب السماحة وضعف الانتماء للوطن، وليس أكثر مما لاقاه الشيخ "أحمد الطيب" وسلفه الشيخ "طنطاوي" من هجوم من تلك التيارات المتشددة وأتباعهم بسبب بعض الآراء المستنيرة تجاه علاقة المسلمين بالأقباط، العلاقة بين القيادات الإسلامية والمسيحية لدرجة أن أحد شباب الإخوان كتب تغريدة له على "تويتر" يقول فيها "الأنبا شيخ الأزهر متي ستعتكف بالدير".
وفي حالة مزاجية عالية لمجتمع، أجمع أفراده دون اتفاق مسبق على وجوب التغيير والسعي نحو الأفضل، استطاع المصريون في ثورة عظيمة إسقاط النظام الأول في "25 يناير"، واستطاع إسقاط الثاني في ثورة أعظم "ثورة 30 يونيو"، ليبقي الدور الأهم للقائمين على تعديل أو كتابة هذا الدستور بمنع استنساخ تلك الأنظمة الفاسدة الفاشية مرة أخرى، عليهم بإقرار دستور يضمن إصلاح اقتصادي يحد من سيطرة رأس المال ويحارب الفساد ويضمن المحاسبة والشفافية، متوازن مع تشريعات تدفع لمناخ سياسي صحيح يضمن التنافس الشريف من المنبع عن طريق حظر الأحزاب على أساس ديني حتي منع شراء الأصوات الانتخابية من خلال المتاجرة الدينية أو شراء الأصوات الانتخابية بالأموال أو السلع الغذائية .
إنها لحظة لا تتكرر كثيرًا، فإما أن تمضي مصر على طريق الحداثة والتنوير والتقدم وإما فالقادم أسوأ مما نتصور... إما الحياة وإما الموت... فلنختار الحياة .