أخطر تقرير عسكري يكشف: أمريكا تخسر 3 مليار دولار إذا أوقفت المساعدات العسكرية.. البنتاجون يرفض بيع أسلحة متطورة لمصر للحفاظ على تفوق إسرائيل.. والجيش المصري قادر على تمويل أسلحته
ما تزال المساعدات العسكرية الأمريكية لمصر مسار بحث وجدل كبير، حيث بحث ديفيد شينكر، مدير برنامج السياسات العربية في معهد واشنطن، في غياهب المساعدات العسكرية لمصر، قائلًا –في تقرير لمركز المزماة الإماراتي للدراسات والبحوث- إنه على مدى الثلاثة عقود الماضية، قدمت واشنطن لمصر ما يزيد عن 40 مليار دولار في شكل مساعدات عسكرية، وذلك من خلال برنامج مساعدات يشكل اليوم ما مجموعه 80% من ميزانية المشتريات العسكرية السنوية للبلاد.
وأضاف شينكر أنه منذ يوليو شجعت إطاحة الجيش بالرئيس المعزول محمد مرسي، وما تلاه من فرض إجراءات صارمة على مؤيديه، الأصوات المطالبة في واشنطن بوقف هذه المساعدات، مؤكدًا أن حجم وهيكل برنامج التمويل العسكري الخارجي التابع لوزارة الخارجية الأمريكية الخاص بمصر -ويعتبر ثاني أكبر برنامج من هذا النوع على مستوى العالم- سيجعل مسألة التحول السياسي من هذا النوع أمرًا معقدًا ومطولًا ومكلفًا من أوجه عديدة.
وأشار شينكر إلى أن مصر تتلقى حاليًا 1.3 مليار دولار كل عام كبرنامج التمويل العسكري الخارجي، وذلك في إطار برنامج يسمح لها بشراء المعدات العسكرية التي تنتجها الولايات المتحدة، فضلًا عن المساعدات التقنية بالتنسيق مع وزارتي الخارجية والدفاع، وفي مكتب التعاون العسكري (الكائن في السفارة الأمريكية)، يعمل مسئولون أمريكيون جنبًا إلى جنب مع نظرائهم المصريين لتحديد أولويات الشراء، مثال إخراج المعدات السوفيتية القديمة من الخدمة تدريجيًا، وتحسين قدرات العمل المشترك مع القوات الأمريكية.
أضاف شينكر أنه بجانب إسرائيل، تعتبر مصر دولة من الدولتين الوحيدتين اللتين تتلقيان تمويلًا من برنامج التمويل العسكري الخارجي، واللتين تحظيان بميزة "الصرف المبكر" في بداية العام، حيث يتم إيداع التمويل الأمريكي في أحد الحسابات البنكية في بنك الاحتياطي الفيدرالي بنيويورك، ويُسمح للقاهرة بالاستفادة بالفائدة المستحقة على هذه الإيداعات لشراء معدات إضافية، وعندما يتم إيداع هذه الأموال، يتم تحويلها من بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى أحد الصناديق الائتمانية.
وستتلقى مصر هذا العام مبلغًا يقل مقدارًا يسيرًا عن مبلغ الـ 1.3 مليار، بسبب التخفيض في النفقات على افتراض استمرار البرنامج، واعتبارًا من يوليو تم تحويل 649 مليون دولار أمريكي إلى الصندوق الائتماني، مع ترك نحو 585 مليون دولار في بنك الاحتياطي الفيدرالي.
وأشار شينكر إلى أنه يُسمح بشرط خاص آخر للقاهرة بتمويل مشترياتها، من خلال "التدفقات المالية المستقبلية" من الشركات المتعهدة ببيع الأسلحة الدفاعية الأمريكية، وبخلاف معظم المستفيدين الآخرين من برنامج التمويل العسكري الخارجي، لا يتوجب على الحكومة المصرية أن تدفع مقدم تكاليف أنظمة الأسلحة باهظة التكلفة، والمتعاقد عليها مع الولايات المتحدة، بل تستطيع بدلًا من ذلك الوفاء بالالتزامات المالية التي تغطيها المنح المستقبلية، المخطط لها لبرنامج التمويل العسكري الخارجي.
وأكد شينكر أنه في العادة سيتعين على القاهرة سداد أكثر من 2.5 مليار دولار، في شكل التزامات مستحقة السداد، لشراء أسلحة وخدمات الدعم من شركات أمريكية في أي وقت من الأوقات.
وتُدار الجوانب الفنية لمبيعات وتحويلات برنامج التمويل العسكري الخارجي من قبل وكالة التعاون الأمني الدفاعي، إحدى فروع الشراء المتخصصة جدًا، ويرأسها جنرال يحمل ثلاث نجوم، ويشرف عليها مكتب وكيل وزارة الدفاع للشئون السياسية في وزارة الدفاع، وحتى مع مراقبة هذا الخبير، فإن التمويل من خلال التدفقات المالية المستقبلية يجعل برنامج التمويل العسكري الخارجي معقدًا للغاية.
أما عن مشتريات برنامج التمويل العسكري الخارجي الخاص بمصر، فيقول شينكر "تخصص القاهرة حاليًا ما يقرب من ثلث ما تحصل عليه من تمويل من برنامج التمويل العسكري الخارجي لما تشتريه من معدات جديدة، والثلث الآخر لتحديث المعدات، والباقي للدعم الفني المقدم من شركات أمريكية"، مؤكدًا أن الجزء الأكبر من مشترياتها يرتكز على عدة برامج ضخمة تمتد لسنوات عديدة، ومن بينها الشراء والتجميع المحلي لأكثر من 1100 دبابة من طراز إم 1 إيه 1، و224 طائرة إف 16، و10 طائرات هليكوبتر أباتشي، وآلاف من مركبات الهامفي، فضلًا عن الذخائر المختلفة (منظومات الدفاع الجوي المحمولة ستينجر وصواريخ من طراز هيل فاير وهاربون)، وأنظمة الاتصالات والرادارات وسفن بحرية.
وأضاف شينكر أن آخر أبرز هذه المشتريات وأعلاها تكلفة كان في ديسمبر، وذلك عند شراء 20 طائرة إف 16 إضافية، وهو عقد بقيمة تقترب من 3 مليار دولار أمريكي حتى الآن، تم تسليم ثمانية من هذه الطائرات آخرها كان الأربع طائرات التي تم تسليمها في فبراير.
وقال شينكر في تقريره "على الرغم من الالتزام الأمريكي بالتفوق الإسرائيلي العسكري النوعي، فإن واشنطن عادة ما تبيع لمصر ما تطلبه من أسلحة متطورة للغاية، ورغم ذلك يجرى في بعض الأحيان تعديل بعض الأنظمة، أو منع توريدها للحفاظ على التفوق الإسرائيلي".
وكشف شينكر عن وجود تقارير أفادت أن صفقة عام 2013 الخاصة ببيع 90 صاروخ كروز مضاد للسفن من طراز هاربون 2، قد تم تأجيلها لمدة خمس سنوات بسبب مخاوف من أن قدرات الهجوم الأرضي التي أظهرتها هذه الصواريخ، من شأنها أن تغير من التوازن العسكري بين البلدين، ولتخفيف هذه المخاوف، تم تخفيض قدرات هذه الصواريخ بشكل واضح.
أما الوضع الراهن ووفقًا لبعض التقديرات، فإن مصر أمامها ما يزيد عن 4 مليار دولار في شكل التزامات تعاقدية مستحقة السداد، يجري دفعها من خلال التمويل عبر التدفقات المالية المستقبلية، أو تبلغ قيمتها ما يزيد عن ثلاث سنوات مما يقدمه برنامج التمويل العسكري الخارجي -حسبما قال شينكر- وبعد عزل مرسي، أعلن الرئيس أوباما أن واشنطن ستقوم بمراجعة برنامج التمويل العسكري الخارجي لمصر.
وعلى الرغم من أنه لم يتم الإعلان الرسمي عن هذا التعليق، إلا أن وكالة التعاون الأمني الدفاعي -كما أفادت بعض التقارير- أجلت تسليم أربع طائرات إف 16، وعشر طائرات هليكوبتر من نوع أباتشي.
ويعتقد أن القاهرة قد التزمت بمدفوعاتها للشركات والمتعهدين خلال شهر أكتوبر، وإذا استمرت واشنطن في الامتناع عن تسليم هذه المعدات، فإن دافعي الضرائب الأمريكيين –رغم ذلك– سيتعين عليهم الوفاء بهذا الالتزام.
وإذا تم إلغاء العقود التي جرى إبرامها مع مصر بالكلية، ربما يتم دفع تكاليف هذا الإلغاء المستحقة على الشركات الأمريكية، من برنامج التمويل العسكري الخارجي، ويرجح رغم ذلك أن تستمر الحكومة الأمريكية في الاحتفاظ بهذه المعدات حتى يمكن إجراء هذا التحويل.
ورغم أن واشنطن تستطيع أن تسدد هذه التكاليف للشركات والمتعهدين من الأموال الموجودة في حساب بنك الاحتياطي الفيدرالي، واستئناف العقود والاستحواذ على المعدات أو حتى بيعها إلى غيرها من الدول، من خلال المبيعات العسكرية الخارجية المباشرة، إلا أن هذه الخيارات ليست هي الأمثل في واقع الأمر، حيث لا تحتاج الحكومة الأمريكية إلى الخدمة الضخمة ومكونات الصيانة الواردة بهذه العقود، وسوف تبدو بعض هذه المعدات أقل جذبًا بالنسبة لتلك البلدان الأقدر على دفع فاتورتها، حيث لم يتم تجهيز طائرات إف 16 المصرية بصواريخ جو - جو متوسطة المدى متقدمة من طراز AIM-120، ولكن جرى تزويدها بالطبع بقدرات أقل وذلك بصواريخ من طراز AIM-7.
وعن الآثار الناتجة عن قطع هذه المساعدات، فيقول شينكر إنه بالإضافة إلى الإضرار بالعلاقات العسكرية - العسكرية بين الولايات المتحدة والقاهرة، فإن تعليق برنامج التمويل العسكري الخارجي من شأنه أن يعمل على تقويض العلاقات مع الحكومة المدنية، ويؤدي إلى مزيد من التآكل لمكانة واشنطن المتدنية بالفعل لدى المصريين، وربما يؤدي ذلك أيضًا إلى علاقات أمريكية هشة مع المملكة العربية السعودية، التي دعمت مصر بصورة علنية.
وأشار شينكر إلى أن الرياض والإمارات العربية المتحدة والكويت قد تسد الفجوة، ما يمكن القاهرة من الاستمرار في تمويل المشتريات العسكرية، وقد تقدم هؤلاء المانحون بالفعل بـ16 مليار دولار لمساعدة مصر على النهوض باقتصادها المتعثر.
كما أنه من الممكن لسيناريوهات أخرى أن تقلل من النفوذ الأمريكي، فمن الممكن أن يمول الجيش المصري مشترياته العسكرية بنفسه، في ضوء أنه أقرض البنك المركزي مليار دولار في ديسمبر عام 2011، والأسوأ من ذلك -حسب شينكر- فإن بدلًا من ذلك، قد تحاول الصين وروسيا تعظيم الاستفادة من هذا التعليق، بحلولهما محل واشنطن في تمويل المشتريات المصرية لأنظمة خاصة بهما رغم عدم رجاحة هذا الأمر.
وليس من الواضح ما إذا كان وقف برنامج التمويل العسكري الخارجي من شأنه أن يتبعه وقف مبلغ الـ1.8 مليون دولار المقدم في شكل دفعات سنوية للتعليم والتدريب العسكري الدولي الأمريكي، وهو عبارة عن منحة يحضر من خلالها مئات من الضباط المصريين للدراسة في الولايات المتحدة.
ويؤكد التقرير أن قطع المساعدات قد يجعل أيضًا الأهداف الإستراتيجية الأمريكية الرئيسية في مصر في خطر، بما فيها التعاون في مجال مكافحة الإرهاب، وأولوية الوصول إلى قناة السويس فيما يتعلق بالسفن الحربية الأمريكية، والطلعات الجوية العسكرية الأمريكية غير المقيدة نسبيًا، فبين عامي 2001، و2005 قامت طائرات عسكرية أمريكية بما يزيد عن 35 ألف طلعة في المجال الجوي المصري – وكان ذلك يتم غالبًا بعد الإخطار بفترة وجيزة - في الوقت الذي قامت فيه السفن العسكرية الأمريكية بما يقرب من 900 مرور مستعجل عبر قناة السويس.
بالنسبة للتأثيرات الداخلية، فإن وقف برنامج المساعدات سيمثل ضربة قصيرة المدى على الأقل للشركات العسكرية الأمريكية، بما فيهم شركة لوكهيد مارتن (التي تصنع طائرات إف 16) وشركة بوينج (التي تصنع طائرات الأباتشي)، ومن المحتمل أن تعاني العشرات من الشركات الصغيرة والشركات الفرعية من عواقب اقتصادية أكثر خطورة.