رئيس التحرير
عصام كامل

عيون وآذان (مصر أقوى منهم)


كان الإخوان المسلمون يستطيعون، وقد وصلوا إلى الحكم على ظهر شباب الثورة، أن يستغلوا شعبيتهم الكبيرة بين المواطنين ليقيموا نظامًا ديمقراطيًا حقيقيًا يتسع لجميع أطياف الشعب، إلا أنهم اختاروا الأخونة، وفشلوا في إنقاذ الاقتصاد أو فرض الأمن وسقطوا، فعادوا الآن إلى العنف الذي يبدو أنهم لا يتقنون شيئًا غيره.

بأوضح عبارة ممكنة، الهجوم على مراكز الشرطة والأمن إرهاب (وطبعًا محاولة اغتيال وزير الداخلية أمس إرهاب)، وبالوضوح نفسه لا أتهم أعضاء الجماعة وإنما أتهم القيادات والفكر الإخواني الذي خرَج كل إرهاب في بلادنا من تحت عباءته، بما في ذلك القاعدة المجرمة.
التأييد العربي الكبير لمصر من الدول القادرة لا يعكس فقط العلاقة الوثيقة مع النظام الانتقالي، وإنما يعكس عدم ثقة وشكوكًا وتجارب عمرها عقود في دول الخليج التي شعرت بتآمر الإخوان المصريين والمحليين عليها.. وقد سمعت تفاصيل سبقت كثيرًا سقوط حسني مبارك ثم محمد مرسي بعده.
أتوقف هنا لأشير إلى منع «الجزيرة مباشر» ومحطات أخرى من البث في مصر.. وكنت قطعت على نفسي عهدًا منذ سنوات ألاّ أنتقد سياسة قطر، لأنها تتعرض لانتقادات كافية، بعضها ظالم، فأكتفي اليوم بالقول إن تغطية «الجزيرة» لأحداث مصر كانت من جانب واحد، ولم تهتم المحطة بمعرفة الحقيقة كلها وإنما اكتفت بنصفها.. وأتمنى أن يعطي الأمير الشيخ تميم بن حمد «الجزيرة» بعضًا من وقته ليصحح الأخطاء.. أيضًا أتمنى على الإعلام المصري أن يبدى موضوعية لم تبدها «الجزيرة»، فلا يتهم الشيخة موزة المسند قرينة الشيخ حمد بن خليفة، جزافًا وظلمًا من ناس لا يعرفونها.. هي سيدة ذات خلق، وقد عملت دائمًا لوطنها وأمتها، ونفذت مشاريع طموحة.. كل من يهاجم الشيخة موزة يدين نفسه، فأرجو أن يراجع الكل مواقفهم.
حل المشاكل بين الدول العربية وتجاوزات الميديا يهون أمام التعامل مع الولايات المتحدة، فالإدارة الأمريكية أيدت نظام الإخوان ولا جدال، وعندما قامت الثورة الثانية على الجماعة، ترددت الإدارة الأمريكية بين ثورة أو انقلاب، ورفضت أن ترى ملايين المصريين في الشارع يهتفون ضد محمد مرسي وحكمه.. إدارة أوباما صمتت في النهاية، وكان الموقف الإيجابي الوحيد من وزير الخارجية جون كيري، الذي قال إن الفريق الأول عبد الفتاح السيسي «سيعيد الديمقراطية».. ثم عادت العلاقة وانتكست والإدارة تقف موقفًا سلبيًا من الحكم الانتقالي بضغط من أنصار إسرائيل في الكونجرس واللوبي إياه واليمين المتطرف من نوع المحافظين الجدد.
هؤلاء جميعًا لا يريدون حكمًا ديمقراطيًا في مصر يقود البلاد إلى الأمام، وإنما أن تخرب مصر في خلاف لا حل له ولا نهاية بين الإخوان المسلمين ومعارضيهم.
كان باراك أوباما سجّل شعبية عالية بين المصريين بعد خطابه في جامعة القاهرة سنة 2009، إلا أن المصريين عندهم المثل «أسمع كلامك يعجبني أشوف عمايلك أستعجب»، وهم لم يروا من باراك أوباما إيجابيات، فكانت النتيجة أن استطلاعًا أجراه مركز أبحاث زغبي الأمريكي بين المصريين أظهر أن 3 في المئة فقط يؤيدون الرئيس أوباما وأن واحدًا في المئة يؤيد السياسة الأمريكية.
هذه أرقام خرافية، ما كنت شخصيًا أتصور أن أقرأها، إلا أن مركز زغبي موثوق جدًا.. والاستطلاع أظهر أيضًا أن ثلثي المصريين يشعرون بأن الإدارة الأمريكية أيدت محمد مرسي، وأن 80 في المئة منهم يرون أن هذا التأييد أضر بمصر.
مصر نصف الأمة ولها القيادة، فإذا لم تستطع إدارة أوباما تحسين العلاقة معها فهي لن تتحسن مع أي بلد عربي آخر.. ولعل التوبيخ السعودي الرسمي للسياسة الأمريكية تحذير كافٍ، وقد أعذر من أنذر.
نقلا عن الحياة اللندنية
الجريدة الرسمية