رئيس التحرير
عصام كامل

السياحة فيها شفاء للناس


أذكر أننى سألت مدير تحرير القسم السياحي، بصحيفة أمريكية كبرى عن الصورة التي تتداعى إلى ذهنه إذا ما سمع اسم مصر، فرد بكل ثقة: صحارى شاسعة مليئة بالإبل !!


هذه الصورة كانت نمطا نصدره للعالم في فترة من فترات الجهل السياحى، عندما كانت الصورة الشهيرة لجمل يقف بجوار الهرم، لكن الآن تغيرت المفاهيم.. ودخل إلى عالم السياحة متخصصون، وانتقلنا من مرحلة الهواة إلى مرحلة الاحتراف، وكلما مضينا ميلا أعادتنا الجماعات الإرهابية أميالا، ولكننا ظللنا نخوض تلك الحرب بين منافسين أقوياء، ونلنا بعضا من حظنا، وكانت اللطمة الكبرى لهذا القطاع، عندما اعتلى سدة الحكم نفر من الإرهابيين، كنا نطلق عليهم حتي وقت قريب على سبيل الوهم «جماعة الإخوان المسلمين».

استفاق الشعب المصرى، ونفض عن نفسه غبار الجهل والتخلف والإرهاب، وأصدرت الجمعية العمومية للشعب المصرى قرارها التاريخى فى ٣٠ يونيه بخلع التطرف عن عباءة مصر، وإلى غير رجعة، وانطلقت الأصوات تطالب بتحرك اقتصادي سريع، يوقف نزيف الخسائر الاقتصادية المتوالية، وتعالت أصوات تطرح مشروعات قومية، وأخرى تتحدث عن محاور تنمية، وفي هذا كله خير إلا أننا تجاهلنا قطاعا سحريا يعيد التوازن إلينا خلال أشهر قليلة، وهو القطاع السياحى.

لدينا بنية تحتية بمئات المليارات، وكوادر مدربة، وأسواق تعرفنا جيدا، وقطاع متكامل تعتمد عليه أكثر من أربعين صناعة، ويستفيد منه ملايين المصريين، ويمكن الاعتماد عليه فى صد الهجمة الشرسة التي يقودها إعلام غربي، ثبت بالدليل القاطع أنه يصدر إلينا قيما هو لا يعرفها وأولها قيمة الحياد، ومن السهل استنهاض القطاع سريعا، بالانطلاق مجددا لبدء الحملات الترويجية المتوقفة منذ أكثر من عام.

صحيح لا يأتى السائح إلينا مناضلا، وليس مطلوبا أن يكون علي هذا النحو، حيث لم تنتشر بعد سياحة النضال إلا على أيدى جماعة الإخوان الإرهابية التى استقدمت إلينا أسوأ ما أنتجته باكستان، وسوريا، وفلسطين، إذن نحن أمام سوق مفتوحة بحاجة ملحة اليوم للتواصل مع أدواته بالترويج لتحقيق عدة أهداف أولها اقتصادى وثانيها أن المشاهدة على الطبيعة أقوى من كل رسائل الصحف التى باتت أكثر اصفرار من البرتقال الصيفى، وليس من بينها طبعا الواشنطن بوست، ولا محطة الـ سي إن إن !!
وأولي خطوات المضي قدما لتحقيق قفزة نوعية في ظل وضع مترد، هى تفعيل اللجنة العليا للتنشيط السياحى بأهداف جديدة، وبرؤى حديثة، لا يكون الانفراد بالقرار هو السيد، فقد انتهى عصر مرسى وجماعته المنفردين بكل شيء فى مصر.

السياحة ليست منتجا يدر على البلاد ربحا يعود بالنفع علي قطاع عريض من المصريين، وإنما هى رسالة تواصل إنسانى تعد الأهم فى تاريخ البشرية، فقد كانت دوما بوابة العبور الثقافية الأولي قبل الكتاب، بل كانت مادة خصبة لنقل حضارات، بدأت بعالم الرحالة القديم، واتسعت رقعتها لتشمل السائح العادى الذي يحتك بثقافتنا ويرانا عن قرب.

حتى الإرهاب الذى قدموا لنا فيه نماذج فاقت كل تصور، وأعلت من قيمتهم في عالم التخريب والتدمير، خاصة أن القرار هنا يمس أطرافا متعددة، تبدأ بالعامل فى القطاع، وتمر بالمستثمر، ولا تنتهى عند الحدود السياسية التي يمكن لعملية الترويج أن تقوم بها.

ومما لاشك فيه أن وقت الأزمة قد يمثل تحديا يحقق ما لا نتصوره، ويكفي أن نتذكر الرئيس الراحل محمد أنور السادات، بعد بدء معركة أكتوبر المجيدة، ربما بساعات، عندما عقد اجتماعا لإعادة بناء السويس، حيث أراد أن يبعث برسائل مهمة إلى العالم أجمع مفادها أننا حققنا الانتصار، ونعيد البناء، ليقفز على محاولات البعض التشكيك في انتصارنا العظيم، وما أحوجنا اليوم لنقول للعالم إننا نفض عن أنفسنا تهم الإرهاب، ونحاربه ونعيد البناء مرة أخرى.

على أننا سنقع في بحار من فشل، إذا تصورنا أن الترويج يعتمد على تصدير صورة مثالية لما يحدث لدينا، إذ لا يمكن لأى عملية ترويج سياحي أن تحقق أهدافها دون العمل الدءوب علي أرض الواقع، لإعادة الأمن والاستقرار سريعا، خاصة أن هذا القطاع يحتضر بالفعل، ويكاد العاملون فيه أن ينضموا الى قوافل الإرهاب، بسبب ما يعانونه من أحوال اقتصادية، وتعطل كامل، تكاد تنهار علي أثره كل أطراف الاستثمار السياحي فى مصر.
الجريدة الرسمية