رئيس التحرير
عصام كامل

"الدبلوماسية الهادئة".. سلطنة عمان تتوسط بين أمريكا وإيران لتبادل إطلاق سراح محتجزين.. تفعيل سياسات حسن الجوار ودعم التعاون الدولي.. الإسهام في جهود إحلال السلام

جانب من لقاء السلطان
جانب من لقاء السلطان المعظم والرئيس الإيراني

حالة بارزة من الدبلوماسية العربية الهادئة، تمثلها الدبلوماسية العُمانية، وتحركاتها وعلاقاتها المميزة مع مختلف البلدان العربية والإقليمية والدولية، ولاسيما مع إيران التي تتعامل معها أغلب دول الخليج بحذر يصل إلى حد العداء في بعض الأوقات.


وقد تصدرت الزيارة التي قام بها السلطان قابوس بن سعيد سلطان عُمان لإيران، خاصة أنه يعد أول زعيم عربي وعالمي يجتمع مع الرئيس حسن روحاني بعد توليه الرئاسة، حيث أجريا مباحثات موسعة، كما التقى السلطان قابوس مع على خامنئي قائد الثورة بالجمهورية الإيرانية، وتم خلال الزيارة تبادل وجهات النظر حول العديد من القضايا الراهنة ذات الاهتمام المشترك، في ضوء المستجدات الأخيرة على جميع الساحات.

من جانبهم يؤكد خبراء السياسة الدولية أن زيارة السلطان قابوس لطهران يمكن النظر إليها من منطلق أنها جاءت في سياق الأدوار الإيجابية المهمة التي تضطلع بها السلطنة على كل الأصعدة، والتي تسهم في ترسيخ الممارسات العملية التي تقود إلى تفعيل كل مبادئ وسياسات حسن الجوار، انطلاقا من رؤية راسخة قوامها ضرورة دعم التعاون الدولي بين كل الشعوب وجميع البلدان وإثراء حوار الحضارات، بعيدا عن مفاهيم التعصب والتحزب وإقامة التكتلات التي تمثل الاختيار المرفوض دائما وأبدا من جانب سلطنة عُمان.

كانت الأشهر القليلة الماضية قد شهدت إجراء اتصالات عُمانية مع أهم العواصم العربية والعالمية، في إطار الترجمة العملية لمواقف السلطنة الداعية إلى دعم المحاولات الرامية للتوصل إلى حلول عاجلة لكل القضايا المطروحة حاليا.

وفى هذا السياق لا تزال تتابع على الصعيد الدولي أصداء وردود الفعل الإيجابية التي توالت عقب نجاح الجهود الدبلوماسية العُمانية التي أدت إلى تبادل أمريكا وإيران إطلاق سراح محتجزين من رعايا البلدين، وهو الإنجاز الذي تم استجابة لدور السلطنة في المجالات المتعلقة بحل المشكلات العالقة خاصة ذات الطابع الإنساني، وما يرتبط منها بحقوق الإنسان.

من جهة أخرى تم الإفراج عن الدبلوماسي الإيراني نصرت الله طاجيك، الذي تحفظت عليه بريطانيا لمدة سبع سنوات، بعد أن قامت السلطنة بالتنسيق ما بين الجانبين، وكللت في النهاية مساعيها بوصوله إلى السلطنة، تمهيدا لعودته إلى وطنه.

وعلى خلفية القمة العمانية / الإيرانية استرجع المحللون السياسيون أصداء مبادرات استراتيجية بعيدة المدى، قدمت السلطنة من خلالها طرحا ومنهجا حضاريا للأساليب التي يجب اتباعها على صعيد العلاقات الثنائية بين الدول المتجاورة، ويتمثل ذلك الاختيار العُماني في ضرورة العمل على حل جميع القضايا من خلال المفاوضات، التي تقود في النهاية إلى إبرام اتفاقيات لترسيم الحدود المشتركة.

لم تكتف السلطنة بالدعوة إلى هذا التوجه فحسب، إنما اتخذت قرارات نهائية واضحة أثبتت إمكانية تحويله إلى واقع مادي، حيث توصلت بالفعل إلى اتفاقيات مع جميع البلاد التي تشاركها الجوار الجغرافي.

وعلى ضوء المباحثات العمانية الإيرانية استرجع المحللون السياسيون أصداء حديث مهم أدلى به السلطان قابوس منذ عدة سنوات، وتحديدا في 2008، إلى جريدة السياسة الكويتية، وتابعته في حينه وسائل الإعلام العربية والعالمية، ورغم مرور أعوام عديدة فإن رؤيته وتقديراته التي طرحها في ذلك الحديث لا تزال تكتسب أهمية بالغة، خاصة أن تراكم خبرات وأحداث الأيام أثبت مصداقيتها.

قال السلطان قابوس، في ذلك الحديث: "إن كل ما أتمناه ألا يطل شبح الحرب على هذه المنطقة التي تعد عصب الاقتصاد العالمي، وتستأثر باهتمام دوائر صناع القرار لاستحواذها على أكبر نسبة من النفط المخزون، مشيرا إلى أن شعوبها لا تنشد سوى السلام.

وأضاف موضحا: "نريد منطقتنا بعيدة عن كوارث الحروب، نريدها تسير في مسار النمو وتتمتع بفوائضها النقدية، وأن تنعم بالازدهار والاستقرار والتقدم، وكل ذلك يتأتى وفق معادلة سهلة مفادها أن نحترم مصالح الآخرين، مثلما نطالبهم باحترام مصالحنا وعندها لن تسمع الشعوب سوى ترانيم السلام".

وأكد بعبارة حاسمة لا تحتمل أي تأويل أن سلطنة عُمان بلد محب للسلام، واستطرد قائلا: نبني علاقاتنا عبر المصالح المشتركة مع الجميع دون أن نغبن أو نـُغـَبنَ، وهذا ما وضع الدبلوماسية العُمانية على الطريق الهادئ الصائب، فليست لدينا أي خصومة مع أي دولة في المنطقة. وأضاف: نعرف أن البعض لديه مصالح يريدنا أن نحترمها، وندرك أيضًا أن لنا مصالح يجب على الآخرين احترامها، وعند هذا تتلاشى الخلافات.

وتابع حديثه ليعرض مرتكزات الرؤى العمانية فقال: ليس لنا أي منغصات مع أحد لا في الإقليم أو خارجه، نحن دولة سلام وحتى إذا ما غضبنا فإننا نغضب في صمت والزمن كفيل بحل المشكلات وكلام ربنا يقول: "ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم".

كما ذكر السلطان قابوس، في ذلك الحديث، عبارة موجزة وبليغة قال فيها: "نحن لا نصب الزيت على النار في أي اختلاف في وجهات النظر مع أحد ".

وحددت هذه الكلمات مرتكزات عميقة لرؤية بعيدة المدى، تطرح أنجح الأساليب في التعامل مع الأزمات والمواقف المعقدة والمحتدمة، التي تحتاج حكمة بالغة في إدارتها ليس من أجل حلها فحسب، وإنما لتجاوز انعكاساتها ومردوداتها السلبية مستقبلا.

كما جدد السلطان قابوس تأكيد هذه التوجهات حينما ترأس اجتماعا عقده مجلس الوزراء، حيث أكد في إطار استعراضه للتطورات الراهنة أهمية معالجة القضايا بالحكمة والروية، من أجل أن تنعم جميع الدول بالاستقرار، لتواصل جهود التنمية لما لها من نفع لشعوبها، مؤكدا ثوابت السياسة العمانية.

وأشار إلى أن من ينظر إلى خريطة العالم يرى مدى ما يربط عمان في علاقاتها من تعاون صادق، إضافة إلى العمل مع المجتمع الدولي في كل ما من شأنه خدمة الإنسانية.

على ضوء عبارات السلطان قابوس يؤكد المحللون وخبراء السياسة الدولية أن ثمة حقائق جلية تمثل الخلفية الكاملة للأداء الدبلوماسي والإعلامي للسلطنة، في مقدمتها أنها تولي أهمية بالغة نحو دعم التقارب ما بين مختلف الأقطار، وعلى كل الأصعدة التي تخدم مصالح جميع الشعوب لاسيما على الساحات الإقليمية.

في هذا السياق تنطلق من السلطنة دعوات متجددة إلى تفعيل سياسات حسن الجوار، وتعزيز المجالات التي تحظى بالاهتمام المشترك، وعلاج كل ملفات القضايا من خلال خيار استراتيجي واحد ووحيد، هو الحوار الودي كبديل عن الخلافات والمنازعات.

انطلاقا من تلك المرتكزات يجمع المحللون السياسيون على أن كل منطلقات السياسات العُمانية، تؤكد رفض أي دعوة إلى الاستقطاب الدولى والإقليمى، فعلى امتداد سنوات عديدة أكدت بالأفعال وبالمواقف العملية، لا بالشعارات أو بالأقوال أو البيانات، تمسكها بمبادئ وقواعد واضحة، محددة وثابتة أيضًا في مقدمتها الحياد الإيجابي وعدم الانحياز.
الجريدة الرسمية