رئيس التحرير
عصام كامل

أوهـــام الـمـصــالحـــة

 حسن زايد
حسن زايد

بعد الإطاحة الشعبية باللانظام الإخواني الذي جثم فوق صدر مصر على مدى سنة كاملة تزايد الحديث على نحو ملفت للنظر عن المصالحة والحوار وعدم الإقصاء لفصيل الإخوان وتوابعه.

فمن منطلق حقوق الإنسان، وقد امتلأت الأروقة بحالة من الصخب والضجيج حول هذا الأمر إلى حد الانشغال به عما هو أهم لمصر وشعبها. وقد نسي المتحاورون حول المصالحة أن الأمر لا ينطوي على خصومة مواقف تكتيكية يمكن التحاور حولها فيتم التمسك بمواقف والتنازل عن أخرى والمناورة بثالثة حتى تصل الأطراف المتخاصمة إلى نقطة واحدة يتفق عليها الجميع باعتبارها نقطة الإشباع القصوى التي يمكن الوصول إليها. 

فلو أن الخصومة على مواقف من هذا النوع لأمكن الحديث بلا تردد عن إمكانية التصالح وإنهاء الخصومة ولو بتنازلات مؤلمة للأطراف، أما الخصومة القائمة الآن بين الإخوان وأتباعهم وأشياعهم والمجتمع هي خصومة قائمة على أساس إختلاف أيديولوجي. فبعد أن أدلج الإخوان الإسلام ــ من الأيديولوجية وليس الإدلاج بالمعني اللغوي ــ وصادروه لصالحهم، وأخرجوا غيرهم من دائرته صراحة أو ضمنًا، سواء كان ذلك جزئيًا أوكليًا بحسب الأحوال. وبعد أن أيقن المجتمع انحراف فكر هذه الجماعة وبعدها عن صحيح الدين ووسطيته، وانتقال هذا الانحراف الفكري إلى مستوى الإنحراف السلوكي ومفارقة الإنحرافين معًا لصحيح الدين فضلا عن توظيف الدين كفكرة لخدمة أهداف الجماعة التكتيكية والإستراتيجية، وانطواء هذه الأهداف تحت لواء جهات مشبوهة تمويلًا وتوجيهًا وتأمينًا. 

إذن فموضوع المصالحة وهم لأن يقين المجتمع بخلاف يقين الجماعة، ووجود أحد اليقينين يعني نفي الآخر بالضرورة. فهل تسلم الجماعة بفساد يقينها وانحراف فكرها وشذوذ فعلها ؟. أم هل يقبل المجتمع بعد ثورته عليها ونزعها من ملك مصر أو نزع ملك مصر من براثنها أن يتعايش كرة أخرى مع أفكارها وقناعاتها وأدلجتها للإسلام ؟. لقد حاول معها عبد الناصر إلا أنها أبت، فإما كل شيء أو لا شيء، وعند الصدام تحالفوا مع الإنجليز وحاولوا قتل عبد الناصر. وقد حاول معها السادات وفتح لأعضائها أبواب مصر على مصاريعها فحاولوا الإنقلاب عليه في حادث الفنية العسكرية، وقتلوا الشيخ الذهبي، وزير الأوقاف، رحمه الله ذبحًا، وانتهى الأمر باغتيال السادات نفسه في حادث المنصة. 

وقد ترك لهم مبارك الحبل على الغارب فشاركوا في انتخابات مجلس الشعب في 1984 م على قوائم الوفد، وفي انتخابات 1987 م على قوائم حزب العمل فما كان من أذنابهم وتوابعهم إلا إدخال مصر في دائرة الإرهاب والعنف لعشر سنوات كاملة جرح فيها من جرح، وقتل فيها من قتل. 

وقد تعرض مبارك لأكثر من محاولة لاغتياله جزاءً وفاقًا، وحتى بعد أن اندلعت في مصر الثورة الشعبية التي أطاحت بمبارك قفزوا عليها واستلبوا مغانمها وسعوا إلى إدخال مصر في الجماعة، فما كان من شعب مصر في ردة فعل تلقائية تجاه محاولات حشره إلا الإنقلاب الشعبي عليهم وعلي فشلهم في إدارة شئون البلاد والدفع بها في غياهب جب مظلم ما له من قرار. فعلى ما يكون التصالح ؟. أعلى التضحية بالمجتمع من أجل أن تعيش الجماعة ؟، أم على التخلص من الجماعة من أجل أن يعيش المجتمع ؟. 

ذلك يتوقف على التقييم الشخصي لكل فرد من أفراد المجتمع لقيم الجماعة وقيم المجتمع. وأرى أنه يتعين التخلص من الجماعة كفكر وكتنظيم باعتبارها جماعة غير شرعية خرجت على قيم المجتمع ومؤسساته، والقبول بأعضائها كأفراد أسوياء في المجتمع بعد أن يتم إدماجهم فيه بمعالجة الانحرافات الفكرية والسلوكية التي أصابتهم نتيجة وجودهم في الجماعة. أما القول بالمصالحة وما تنطوي عليه من مساومات وتنازلات وتضحيات فليس له محل من الإعراب بعد الثورة عليهم والإطاحة بهم.
الجريدة الرسمية