رئيس التحرير
عصام كامل

جابر عصفور يكتب: "نجيب محفوظ.. الرمز والقيمة"

 الدكتور جابر عصفور
الدكتور جابر عصفور وزير الثقافة الأسبق

كتب الدكتور جابر عصفور وزير الثقافة الأسبق عدة مقالات عن الأديب العالمي الراحل نجيب محفوظ ونقاده، وجمعها في كتابه الشهير "نجيب محفوظ.. الرمز والقيمة" والذي صدر في عام 2009.


ويعد الكتاب وثيقة ثقافية متخصصة، حيث رصد عصفور من خلال كتابه أجواء "نوبل المصرية"، إضافة لرصدها ملامح الصراع الممتد بين أيديولوجيات التطرف الديني وتياراته، وبين إبداعات المثقفين ورؤاهم الثقافية في زمان محفوظ وما بعده إلى زماننا الحاضر.

ويأتى كتاب " نجيب محفوظ.. الرمز والقيمة" في سبعة أبواب، وهي " مقدمة ـ احتفاءات ـ ملاحظات ـ إضاءات ـ في مرايا النقد ـ أبعاد محاولة الاغتيال".

ففي مقدمة الكتاب يسترجع الدكتور جابر عصفور، ذكريات قديمة حينما تلقى نبأ وفاة نجيب محفوظ أثناء وجوده بالإسكندرية لحضور حفل إحياء الذكرى الخامسة والعشرين لرحيل الشاعر صلاح عبد الصبور، وكيف أنه صدم بهذا النبأ، وكان أن تم إلغاء الاحتفال والعودة إلى القاهرة لتشييع جنازة نجيب الشعبية من مسجد الحسين الذي أحبه نجيب وجعل مقامه ملاذًا لأبطاله، ابتداء من الجزء الأول من الثلاثية إلى أواخر رواياته، ثم جنازته الرسمية حسب القواعد التي تقضي بأن تكون جنازات الحاصلين على قلادة النيل جنازات عسكرية.

ولم ينس عصفور أن يؤكد استحقاق نجيب هذا التكريم المزدوج (الشعبي والرسمي) باعتباره هرمًا أكبر للإبداع الروائي استطاع في حياته أن يحيل " الحارة المصرية " من مجرد فضاء صغير إلى كون متسع بلا نهاية يعكس التاريخ السياسي والاجتماعي وأسرار الحياة المصرية، بل الحياة الإنسانية على امتداد الوجود، دون خوف من الحكام الذين وضعهم أمام النقد والمساءلة من عصر مينا إلى عصر السادات حيث ظل محفوظ هو العقل الذي يشف كل التابوهات.

ويشير عصفور في كتابه إلى المكونات الأولى للمبادئ التي ظلت ثابتة في كل أعمال نجيب، والتي تمثلت في التسامح والتعددية والتنوع والحرية والعدل، والتي جاءت من انحيازه الكامل لـ "ملح الأرض" أو الفقراء المحتاجين إلى الرعاية ـ بوصفه وفديا قديمًاـ وليس الحكام المنحرفين انحراف الفرعون الشهير في "رادوبيس"، إشارة إلى فاروق، ومن انحيازه لحكمة خوفو التي جسدتها روايته " عبث الأقدار"، وشجاعة أحمس التي صورها في روايته " كفاح طيبة ".

ويوضح عصفور أن الروايات الثلاث هي التمثيل للمبادئ، التي ظهرت واضحة في أعماله التالية ابتداء من " القاهرة الجديدة " في الأربعينات، وانتهاء بـ " الأحلام " التي كانت آخر ما كتب.

ومن خلال الـ " احتفاءات " تطرق المؤلف إلى رحلة نجيب محفوظ من الشعر إلى الرواية، ثم فوزه بجائزة نوبل، ودلالة الفوز بالنسبة لمكانة محفوظ الروائية والأدبية، وكيف أنه تحول بفضلها إلى موطن الفخر الثقافي والأدبي لكل الروائيين المصريين والعرب، مشيرا إلى أن أول من حصل على الجائزة العالمية من أدباء العرب " روائي " وليس شاعرا مع أن الشعر ديوان العربية الأول.

ومن أهم ما تناوله عصفور في كتابه ما أسماه بـ " الثورة الأبدية " لنجيب محفوظ، حيث إصراره على الإبداع الذي ينتزع الوجود من العدم، والمعنى من اللامعنى رغم تحديات الشيخوخة والعجز الطارئ، تمامًا كما جاء في نهاية الثلاثية على لسان شوكت عندما قال " إني أؤمن بالحياة وبالناس، وأرى نفسي مغرمًا باتباع مُثُلهم ما دمت أعتقد أنها الحق، إذ النكوص عن ذلك جبن وهروب، كما أرى نفسي ملزمًا بالثورة على مثلهم ما اعتقدت أنها باطل، إذ النكوص عن ذلك خيانة، وهذا هو معنى الثورة الأبدية".

وفي " إضاءات" يشير عصفور إلى " البداية المجهولة " لنجيب محفوظ عبد والذي تلقى بذور تعليمه الأولى في كتَّاب الشيخ بحيري في قرية الكبابجي القريبة من درب قرمز، ثم في مدرسة بين القصرين الابتدائية، في الدائرة الجغرافية التي استمد منها أسماء روايات " بين القصرين ـ قصر الشوق ـ السكرية ـ خان الخليلي ـ زقاق المدق".

وينتقل المؤلف لروايات نجيب محفوظ التاريخية الأولى، والتي يذكر أنها كتبت في ظل التيار الفرعوني الذي انتشر في مصر بعد ثورة 1919، والذي خلق في مشاعر المثقفين رغبة قوية في استطلاع حياة الأجداد وأمجادهم، فكان أول كتاب نشره نجيب محفوظ سنة 1932 هو كتاب مترجم بعنوان " مصر القديمة " للكاتب جيمس بيكي.

ويتطرق عصفور إلى البعد الرومانسي في روايات محفوظ التاريخية، فيذكر أن نجيب ينظر لأبطاله نظرة رومانسية عاطفية، وأن أهم عيب في هذه النظرة أنها تنسي الكاتب واجبه الموضوعي إزاء الشخصية الإنسانية في قصته، ويهمل في رسم جوانب كثيرة منها، ولذلك فكل شخصيات محفوظ في رواية المرحلة التاريخية تأخذ صفة ثابتة فهي إما شجاعة وخيرة، وإما شريرة وحاقدة، بصورة مطلقة، ويتطرق الكاتب بعد ذلك في تحليلات فنية ناقدة لكل من رواية " أولاد حارتنا " ورواية " يوم قتل الزعيم " وأخيرًا رواية " امام العرش".

وبعد أن تطرق عصفور إلى مناقشة قضايا عديدة ترتبط بروايات محفوظ وبشخصه ككاتب وكإنسان ومن ذلك " أبعاد محاولة الاغتيال " و"التطرف الديني " و" تداعيات الإرهاب " إلى غير ذلك من القضايا التي يناقشها بعمق وحرفية، يختم الكتاب بتحليل " ثقافة القمع " التي يعشيها المجتمع في ظل التسلط السياسي والتراجع الاجتماعي والجموح الاعتقادي، موضحًا وسائل تلك الثقافة القمعية، والتي تبدأ؛ من رمزية المسميات والعلامات، وتنتقل من الرمزية إلى الواقعية، أو من الدال الدافعي إلى المدلول الذي يحيل الدافع في مواجهة المخالفين إلى عقاب وإرهاب واستئصال مادي بعد المعنوي.
الجريدة الرسمية