نصب تذكارى لمذابح الأتراك ضد الأرمن بالقاهرة
ما إن دارت المطابع دورتها وأخرجت العدد الماضي من "فيتو"، إلى القراء إلا وتلقيت عشرات الاتصالات والرسائل عبر البريد الإلكتروني تطالبني باتخاذ إجراءات شعبية مصرية لاعتراف الشعبى المصري بمذابح الأتراك ضد الأرمن، وتعددت اقتراحات القراء والمثقفين بين داعم للفكرة وبين مطالب باتخاذ إجراء سريع وحاسم، ولو رمزيا، حتى الاتفاق على طريقة للتواصل مع الجهات الدولية لدعم الشعب الأرمينى في قضيته.
ولعلي لا أكون مبالغا إذا قلت إن أوربا التي ارتكبت العديد من المذابح ضد شعوب الأرض ليست أفضل منا بما فعلته من إقامة نصب تذكاري رمزي لمذابح الأتراك الوحشية ضد الشعب الأرميني المسالم، وبالتالى فإنني أدعو إلى إقامة نصب تذكاري لضحايا مذابحهم التي ارتكبوها ضد شعب كانت كل جريمته أنه طالب بالاستقلال الوطنى، على أن يكون هذا النصب في أحد ميادين القاهرة، وأقدم نفسى كأول متبرع براتبى عن شهر للشروع في التنفيذ الفوري، على أن تتولي هذا المشروع واحدة من منظمات المجتمع المدني المهتمة بحقوق الإنسان أو جمعية أهلية تولى الشأن الإنسانى اهتمامها.
والفكرة بسيطة، ولدينا من عظام الفنانين العالميين عدد نتصور أنهم سيقبلون على التنفيذ كمتطوعين، لنقدم مثالا للبشرية كلها على دعم شعبنا لفكرة إنسانية راقية، بعيدا عن الأدوار التي قدمها مواطنون أرمن لمصر على مدى تاريخهم بيننا، ويكفي أن نذكر السادة القراء بأننا اعتمدنا في معركة استعادة طابا بفضل الخرائط التي وفرها أول وزير للخارجية المصرية باغوس بك سفيان، وهو أرمينى الأصل.
وللأرمن في مصر تاريخ مشرف، يبدأ بالصناعات الدقيقة، ومن أهمها المجوهرات، مرورا بالعديد من المهن المهمة، وحتى الوصول إلى أعلى المناصب السياسية، وكان لعدد كبير منهم أدوار مهمة في معاركنا الوطنية من أجل الاستقلال، عندما كانت مصر ترزح تحت نير الاحتلال، ولأهمية الدور الأرمينى في الحياة بمصر قد نتناول ذلك في مقالات عدة في أيام قادمة إن شاء الله.
أعود إلى ضرورة دعم فكرة إقامة نصب تذكارى لضحايا مذابح الأتراك ضد الأرمن، التي راح ضحيتها عشرات الآلاف من الأطفال والشيوخ والنساء في عمليات إبادة جماعية ممنهجة، ارتكبتها قوات تركية في مراحل تاريخية متتالية لإحداث توازنات اجتماعية، وقد شاركت أوربا بالصمت عن هذه المذابح.
ولعل أهم ما يميز الدعم المصري لهذه الفكرة، أن مصر كانت من أكثر الدول دعما للأرمن عندما تعرضوا لموجات من الوحشية العثمانية، واستقبلت بورسعيد آلافا من أبناء الشعب الأرميني الهاربين من جحيم السلطان العثمانى أيام كانت دول العالم المتقدم تبارك بصمتها وسكوتها المطبق، أو وفق معادلات سياسية مع دولة الخلافة في الأستانة.
وأتصور أن إنشاء هذا النصب في شارع صلاح سالم -بالقرب من ميناء القاهرة الجوى - ليكون علامة مهمة أمام المسافرين والقادمين إلى مصر، ورسالة ذات مغزى إنسانى موحى، وردا لجميل الأرمن الذين أسهموا حضاريا في تاريخنا النضالى من أجل الاستقلال، إضافة إلى إسهاماتهم في مناحي الحياة المختلفة، وإن لم يكن فلنضع النصب أمام السفارة التركية، لعل الذكري تنفع المؤمنين، إن كانوا مؤمنين!!