رئيس التحرير
عصام كامل

عن المشاكس والعاشق


تلقيت بصدمة بالغة في يوم واحد خبرين لوفاة اثنين من أساتذتي في المعهد العالي للسينما، وهما المخرج الكبير توفيق صالح والناقد والسيناريست دكتور رفيق الصبان.. وجدت نفسي فجأة اجتر ذكريات لقاءاتي الأبرز معهما.. وكان لكلاهما بشكل أو بآخر تأثير كبير في وجداني..


أولًا: الصارم
اعترف أنني لم أكن يومًا عاشقًا لأفلام توفيق صالح، فعالمه الذهني لم يكن يجتذبني.. أحترم رسالات وطرح أفلامه ولكني يصعب على أن أحب فيلمًا لا أذكر منه مشهدًا يدغدغ عواطفي لا عقلي.. تعرفته في السنة الثالثة من دراسة المعهد وقامت بيننا علاقة قائمة على المشاكسة.. كل منا كان يحب أن تكون له الكلمة الأخيرة في النقاش وهذا لم يعجب أيًا منا.. كان دائمًا يحاول أن يشعرني أنني "قفل" لأنني أجادله كثيرًا وأتحدث عن غيبيات لا إسقاطات مباشرة وتحليلات علمية.. الشعور – الحس وطبيعي أن تخلو مادة تحليل سيناريو التي كان يدرسها لنا من تلك المصطلحات التي تمسكت بها.. كنت أظن طوال الوقت أنني ستكون تقديراتي في مادته من الأضعف في سجلي في المعهد وأنا طالب الامتياز الذي لا يتنازل عنه.. حتى جاء يوم النتيجة وفوجئت بأنه منحني امتيازًا في مادته بالرغم من خلافاتنا التي كادت أن تصل للعراك داخل وخارج قاعة المحاضرة في موضوع المادة..

وفي السنة التالية، فوجئت به يدعمني بقوة في مشروع تخرجي الذي أعرف أنه يخالف ذوقه تمامًا بل ويتطوع بالنصح الذي يعرف أنني ربما لن أبالي به ويستثنيني من الغياب في أيام تصويري وهو عادة الذي لا يهادن في الحضور في مادته.

كانت الدفعة الثانية هي لقائي الأخير به بعد تخرجي من المعهد في محطة الرمل بالإسكندرية بالصدفة أمام ديليس، والتي كان حريصا فيها أن يعرف أخباري بشغف وأن يحثني على عمل فيلم وألا أطيل في مرحلة العمل كمساعد مخرج..

من حميمية التعامل ما بعد الجدل الدراسي الطويل، أدركت وقتها أنه كان يرفضني تلميذا مشاغبًا في مادة لا تحترم إلا القواعد الصارمة ويحترمني مخرجًا متمردًا.. لم أنس أبدا ذلك الدعم من الأستاذ الذي وقفنا يومًا ما على طرفي النقيض من الخلاف الدراسي..

ثانيًا: الباسم
أما عن د.رفيق الصبان، فكان اكتشافه هو اكتشاف عالم بالكامل لنا.. المبتسم العاشق للسينما..مادة التذوق السينمائي وشغف سينما العالم الذي رباه لدينا.. لم يدرس لي شخصيًا تلك المادة ولكنني كنت أتسلل لمحاضراته لمشاهدة أفلام أنجلوبوليس الذي عرفته من خلاله.. وروجيه فاديم وآخرين كثيرًا في وقت كان الحصول فيه على فيلم ليس أمريكيًا لمشاهدته يحتاج لصلات واسعة بالعالم الغربي والسفر لم يعرفها الجيل الذي تربى على التحميل من الإنترنت حيث صارت الأفلام أقرب إليك من أنفك.. كنا نجاهد للوصول لأفلام فلليني وكيسلوفسكي وفيسكونتي ونطوف المراكز الثقافية لمشاهدتها.. وكان مفتاح هذا العالم في المعهد هو د/رفيق الصبان.. أذكر لقاءً جمعني به في أحد المطارات بعد مهرجان سينمائي وكنت سعيدا بالحصول على أحد أفلام كاسافيتس الذي اكتشفته بالصدفة.. تحمس كطفل صغير وأنا أريه الفيلم وأخذ يعدد لي أفلام هذا المخرج وينصحني برؤية أعمال بعينها له..

أذكر كذلك حين كتب مقالة قد يراها البعض قاسية في فيلمي آخر الدنيا والتي أعجبتني بشكل شخصي وحرصه على أن يهاتفني ليشرح لي وجهة نظره التي تفهمتها تمامًا من المقال.. وأذكر حرصه الدؤوب على الحصول على نسخة فيلمي الأخير عن يهود مصر.. بلهفة من لا يطيق ألا يرى فيلما ما..

اثنان لن أنساهما ولن تنساهم السينما المصرية وداعًا توفيق صالح.. وداعًا رفيق الصبان.
الجريدة الرسمية