رئيس التحرير
عصام كامل

التضامن العربى يسحق الهيمنة الغربية؟


يمر العالم بعد الثورة الشعبية التي قامت بها الجماهير استجابة لحركة "تمرد" بتغيرات كبرى لا سابقة لها في السنوات الأخيرة.
ونحن هنا نتحدث عن تأثير ثورة 30 يونيو على العالم وليس على مصر فقط ولا على العالم العربى بمفرده.


ويمكن القول إن تحول النظام العالمى المتعدد الأقطاب إلى نظام أحادى القطب، جعل الولايات المتحدة الأمريكية توجه السياسات العالمية والإقليمية بل والمحلية في مختلف بلاد العالم كيفما تشاء، وفى الوقت الذي تريده هي بإرادتها المنفردة.

وزعمت الإدارة الأمريكية منذ عهد الرئيس السابق "بوش" الابن أنها هي المدافع الأول عن حقوق الإنسان في مختلف بلاد العالم، وأنها حارسة الديمقراطية، ولذلك من حقها أن تتدخل حتى تضمن نجاح عملية التحول الديمقراطى من الشمولية إلى الليبرالية، حتى لو كان ذلك بقوة السلاح وعن طريق التدخل العسكري المباشر! كما حدث في غزوها لأفغانستان والعراق.

واستطاعت الولايات المتحدة الأمريكية التدخل في الشأن المصرى أثناء حكم الرئيس "مبارك"، وخصوصًا في السنوات العشر الأخيرة من حكمه لكى تجبر نظامه على التحول الديمقراطى باستخدام أساليب الضغط السياسية والمالية، بل وعن طريق التمويل الهائل لمؤسسات أمريكية تنتمى للحزب الجمهورى والحزب الديمقراطى على السواء أصبحت لها فروع في مصر ليس على مستوى القاهرة فقط، ولكن على مستوى المحافظات لتدريب الجماهير على القيام بالمظاهرات والاحتجاجات ضد النظام!

ومن الغريب أن نظام "مبارك" المتخاذل لم يقف موقفًا صارمًا ضد هذه الإجراءات الأمريكية المستفزة، والتي كان فيها اعتداء مباشرًا على السيادة المصرية.

ثم جاءت ثورة 25 يناير واستطاعت الولايات المتحدة الأمريكية عبر صفقات سرية عقدتها مع أطراف سياسية شتى أن تخلى الطريق حتى تحكم جماعة الإخوان المسلمين مصر بالكامل حكمًا مباشرًا، نتيجة انتخابات برلمانية سريعة متعجلة لم يكن المجتمع السياسي المصرى وخصوصًا فصائله الثورية مستعدة لها والتي بدت في تحالفها ضد الفريق "أحمد شفيق" وأدت إلى أن ينجح الدكتور "محمد مرسي" مرشح الجماعة بفارق ضئيل للغاية ويصبح رئيسًا للجمهورية سرعان ما تحول لكى يصبح رئيسًا لأهله وعشيرته بدلًا من أن يكون رئيسًا لكل المصريين.

ومما لا شك فيه أن الولايات المتحدة الأمريكية – نتيجة الأبحاث التي قامت بها الباحثة "شيرلى بينار" في مؤسسة "راند الأمريكية"- عقدت صفقة منذ سنوات عبر مفاوضات سرية مع جماعة الإخوان المسلمين لكى تساعدهم على حكم مصر بشرط أن تضمن لهم أمن إسرائيل وأن تكون قاعدة أساسية لتنفيذ المخطط الأمريكى لهدم الدولة المصرية وتقسيمها، وإضعاف الجيش المصرى باعتباره ما زال أقوى قوة عسكرية في العالم العربى.

واستمر التعاون الأمريكى الإخوانى وقتًا للصفقات السرية على خير ما يرام إلى أن فوجئت الولايات المتحدة الأمريكية بالثورة الشعبية في 30 يونيو التي نجحت في إسقاط حكم الإخوان المسلمين بدعم مباشر من القوات المسلحة بقيادة الفريق أول "عبد الفتاح السيسى" القائد العام وزير الدفاع، والذي عزل "محمد مرسي" وقدم للشعب المصرى خارطة طريق للتحول الديمقراطى الحقيقى.

وهكذا استطاعت جماهير الشعب المصرى أن تقضى بضربة قاضية على كل من جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية، وعلى الهيمنة الأمريكية على مصر والعالم العربى.

ومن هنا استماتت أمريكا في الدفاع عن "محمد مرسي" وجماعة الإخوان، ومارست كل أنواع الضغوط السياسية والاقتصادية على القيادة الوطنية المصرية التي رفضت هذه الضغوط باسم الشعب المصرى.

وقد انجرت دول أوربية متعددة وسارت في المسار الأمريكى الذي حاول أن يزعم أن ما جرى لم يكن ثورة ولكنه كان انقلابًا.
وفجأة صدر تصريح خادم الحرمين الشريفين عاهل السعودية والذي أدان فيه بصورة قاطعة كل الضغوط التي تمارس على مصر، بل قد حذر من المحاولات الدولية التي سعت إلى تركيع مصر وهددتها بالعقوبات الاقتصادية مقررًا أن السعودية وباقى البلاد الخليجية وفى مقدمتها الإمارات والكويت قادرة على أن تعوض مصر عن أي مساعدات اقتصادية يتوقف ضخها في الاقتصاد المصرى.

ليس ذلك فقط ولكن وزير الخارجية السعودى طار إلى باريس ليقابل الرئيس الفرنسى "أولاند" وصدر عنهما تصريح مشترك بأن خارطة الطريق المصرية المقترحة من القوات المسلحة المصرية لا بد أن تأخذ طريقها إلى التنفيذ.

وهكذا يمكن القول إن حركة التضامن العربى الجسورة مع مصر الثورة والتي كانت المملكة السعودية رائدة فيها قد استطاعت أن تسحق محاولات الهيمنة الغربية ليس على مصر فقط ولكن على العالم العربى ككل.
بعبارة موجزة نحن نشهد حقبة تاريخية جديدة شعارها الحفاظ على الاستقلال الوطنى والدفاع عن الكبرياء والقومية!
الجريدة الرسمية