رئيس التحرير
عصام كامل

المستشار مدحت المراغي لـ"فيتو": أدعو للأخذ بأفضل ما ورد في دساتير 23، 71، 2012

فيتو

أكد المستشار مدحت المراغي، رئيس مجلس القضاء الأعلى، رئيس محكمة النقض الأسبق، ضرورة إجراء مصالحة وطنية بين جميع الأحزاب والتيارات السياسية، وتغليب المصلحة العليا للبلاد على المصالح أو المكاسب الشخصية، ودعا في حواره لـ" فيتو" إلى تحقيق عدالة انتقالية تصالحية وليست انتقامية، وعدم الالتفات إلى الماضي، والنظر إلى المستقبل، ويرى أنه لم يتم تحقيق العدالة الانتقالية بعد ثورة 25 يناير خلال حكم الإخوان، وأن الإعلان الدستوري للمجلس العسكري كان مخالفًا للقوانين والدساتير والمنطق السليم، مشيدًا بالإعلان الدستوري للرئيس المؤقت المستشار عدلي منصور ووصفه بأنه منطقي، وقال إن غضب الشعب وسخطه بسبب عدم تحقيق الإخوان آمالهم وطموحاتهم في تحسين مستوى المعيشة والدفع بعجلة الإنتاج إلى الأمام سبب في خروج الشعب 30 يونيو الذي يعد استكمالا لثورة 25 يناير وليس انقلابا عسكريا.. وإلى نص الحوار..


> كيف ترى المرحلة الانتقالية التي تمر بها البلاد بعد ثورة 30 يونيو ؟
- المرحلة الانتقالية بدأت بالإعلان الدستوري الذي أصدره المستشار عدلي منصور -الرئيس المؤقت للبلاد - وأوضح فيه الخطوات التي يجب أن نسير عليها في المرحلة الانتقالية، وهذه الخطوات منطقية وتتناسب مع هذه المرحلة، وأولى خطوات المرحلة الانتقالية وضع دستور الدولة الذي كان ينادي به الشعب منذ بداية ثورة 25 يناير، وعهد بتلك المهمة إلى لجنة مكونة من رجال القضاء وأساتذة القانون الدستوري، وسيقومون بوضع مشروع الدستور، سواء بتعديل دستور 2012 أو وضع دستور جديد، ثم عرض مشروع الدستور على جمعية تأسيسية مكونة من 50 عضوًا تمثل جميع الأحزاب والطوائف السياسية في مختلف النواحي، وإذا تم إقرار مشروع الدستور سيعرض في استفتاء شعبي لإقراره، ثم إجراء الانتخابات البرلمانية، وبعدها إجراء الانتخابات الرئاسية، وهذه الخطوات منطقية كان ينادي بها الشعب منذ ثورة 25 يناير ولكن لم تتم الاستجابة له.

> كيف يمكن تحقيق المصالحة الوطنية في ظل ما نشهده من عنف أنصار الرئيس المعزول محمد مرسي ؟
- لابد في هذه المرحلة أن يتم التوافق بين جميع الطوائف وألا يتم إقصاء فريق أو جماعة معينة عن المشهد السياسي حتى يتحقق استقرار الوطن، ودون هذا التوافق لن تتحقق المصالحة الوطنية، فضلًا عن ضرورة أن يضحي كل فريق بمصالحه الخاصة وأن يحدث شىء من التوافق على المصلحة العليا للبلاد، وعدم إقصاء فريق وسيطرة فريق آخر على الوضع القائم، ودون ذلك لن يتحقق الاستقرار أو نهضة أو تنمية، ولا بد من محاولة ترضية جميع الأطراف والوصول إلى حد أدنى من التوافق، حتى ننتهي من هذه الدوامة التي نعيش فيها، ويجب ألا نيأس وألا نوقف المبادرات، وأن يكون هناك شىء من الانسجام في هذه المرحلة، وأدعو الجميع إلى أن يبادر بطلباته في محاولة للوصول إلى حلول وسط في جميع المسائل من أجل مصلحة البلاد، وجميعنا في مركب واحد ولن ننصلح إلا إذا سرنا في اتجاه واحد.

> وكيف ترى الإعلانات الدستورية المؤقتة التي يتم إصدارها في المراحل الانتقالية ؟
- الإعلانات الدستورية المؤقتة تواجه فترة قصيرة، وتوضح المبادئ الأساسية دون الدخول في التفاصيل التي يكون محلها الدستور، والأصل في الدستور الثبات والاستقرار والدوام، ويتضمن الأحكام الرئيسية في الحقوق والسلطات العامة وسلطات وصلاحيات رئيس الدولة، والسلطات الثلاث الرئيسية "التشريعية والتنفيذية والقضائية"، والأحكام العامة، ولا يتم تضمين الجزئيات أو التفصيلات الدقيقة في الدستور، والتي يكون محلها القوانين العادية، وإنما الدستور يستمر لمدة عقود، وهذا لم يتحقق في مصر بخلاف الدول المتحضرة التي تصل بدساتيرها إلى الدوام والاستقرار، فقد تم إصدار دستور 1923 ثم إلغاؤه، وإصدار دستور 1930 ثم إلغاؤه والعودة لدستور 1923، ثم قيام ثورة 23 يوليو، وإصدار دستور مؤقت سنة 1954، ثم دستور 1956، ثم دستور 1971 الذي أدخل عليه تعديلات عديدة، ثم دستور 2012 الذي سيطر عليه جماعة الإخوان المسلمين ولم يحقق رغبات وطموحات الشعب، والآن نبدأ في إعداد دستور جديد.

> وما تقييمك للإعلان الدستوري الذي أصدره مؤخرا المستشار عدلي منصور الرئيس الموقت ؟
- الإعلان الدستوري الأخير جاء منطقيا وسليما لأنه بدأ بوضع الدستور، ثم انتخابات مجلس النواب، تليها الانتخابات الرئاسية، وهذا ما لقي قبولا من غالبية الشعب، وتحقيقا لما كان ينادي به أفراد الوطن بعد ثورة 25 يناير ولم تتم الاستجابة لها.

> كيف يمكن أن تكون التشريعات والقوانين ملبية متطلبات المرحلة الانتقالية ؟
- يجب أن يكون الهدف من التشريعات تحقيق المصلحة العليا للوطن، وألا تنحاز لاتجاه أو طائفة معينة، وأن تطبق مبدأ المساواة في الحقوق والواجبات والحريات العامة بين أفراد الشعب المصري دون إقصاء فصيل أو تيار سياسي معين.

> وهل ترى أن التشريعات التي صدرت بعد ثورة 25 يناير، خلال فترة حكم الإخوان حققت المصلحة العليا للوطن ؟
- بعد ثورة 25 يناير كانت العديد من التشريعات محل اعتراض ونقد العديد من طوائف الشعب، وكان يسودها اتجاه جماعة الإخوان، ولم تراع مصلحة الوطن، فضلا عن وجود انقسام وخلاف بين أفراد الشعب، وأصبح هناك انقسام داخل المجتمع المصري ما بين تيار مدني، وتيار آخر إسلامي، وزادت الفجوة بين التيارين مع مرور الأيام، وهذا ما أدى إلى حالة من الاحتقان والتذمر بين أفراد الشعب، والتي ظهرت جلية في 30 يونيو عندما خرج معظم أفراد الشعب اعتراضا على نظام الحكم ومطالبين بإسقاطه.

> وما تقييمك لحكم الإخوان خلال العام الماضي وإدارتهم المرحلة الانتقالية التي كانت تمر بها البلاد عقب ثورة 25 يناير ؟
- لم تحقق هذه المرحلة طموحات ورغبات الشعب المصري، كما أنها لم تعالج سوء الأوضاع الاقتصادية، أو انتشار البطالة، وعانى الجميع من قلة الإنتاج، وتدهور الاقتصاد، وكذلك تدهور قطاع السياحة الذي كان يمثل مصدرا كبيرا للدخل المصري، بالإضافة إلى محاولة السيطرة على مفاصل الدولة، وعدم إتاحة الفرصة الكاملة للأحزاب والتيارات الأخرى للمشاركة بشكل فعال في الحياة السياسية، وكلها عوامل قد زادت من سخط وغضب كثيرين من أبناء الشعب الذين كانوا يأملون في زيادة الرخاء وتوافر الوظائف وخفض الأسعار، مما أدى إلى خروج الشعب في 30 يونيو للمطالبة بإسقاط النظام.

> كيف يمكن أن نحقق العدالة الانتقالية الآن وما هى متطلباتها ؟
- حتى تتحقق العدالة الانتقالية يجب أن يحدث استقرار وأمن، والتوافق بين جميع الأحزاب والطوائف، وأن يكون التركيز والأولوية على تحسين الإنتاج ورفع مستوى المعيشة ورفع الحد الأدنى للأجور، ويجب النظر إلى المستقبل والتغاضي عن أخطاء المراحل السابقة، وتغليب المصلحة العليا للبلاد ومستقبلها، والابتعاد عن الهجوم المتبادل ومساوى الفترة الماضية، نبحث فقط في الماضي لنتعلم منه في الفترة المقبلة، وأن يتم التوافق والمصالحة بين جميع أفراد الشعب، كما حدث في جنوب أفريقيا، فحتى تتحقق العدالة الانتقالية يجب أن تحدث مصالحة وطنية بهدف تحقيق الاستقرار، والابتعاد عن سياسة تصفية الحسابات التي ارتكبت في الماضي، وأن تكون هناك سياسة التسامح عملا بمبدأ الشريعة الإسلامية التي تدعو للتسامح، حتى يتحقق الاستقرار والازدهار في البلاد.

> وهل ترى أن العدالة الانتقالية تحققت عقب ثورة 25 يناير خلال حكم الإخوان ؟
- لم تتحقق العدالة الانتقالية خلال تلك الفترة بالصورة التي كان يرجوها الشعب، فكان الشعب ينتظر إصلاح أحوال البلاد وأن تدور عجلة الإنتاج، ورفع مستوى المعيشة، والقضاء على البطالة بصورة كبيرة، وزيادة الأجور بما تتناسب مع الأسعار، ويحقق معه مستوى معيشة كريمة، ولكن هذا لم يحدث، وظل المواطن البسيط مكبلا بالأعباء المعيشية، ونتمنى أن تتحقق العدالة الانتقالية في الفترة المقبلة وننظر إلى المستقبل ولا ننظر إلى الوراء مرة أخرى أو سلبيات المرحلة الماضية ونعالج تلك السلبيات والدفع بعجلة الإنتاج وعدم الاعتماد على المعونات والمنح والمساعدات من الدول الخارجية، ويجب لفت الأنظار إلى أن الشىء الإيجابي الذي قامت به الدولة في تلك المرحلة محاولة تعويض أهالي الشهداء ماديا عن أبنائهم الذين فقدوهم خلال ثورة 25 يناير، وهذا أمر إيجابي، فضلا عن إقرار معاشات لأسر الشهداء والمصابين.

> في بعض الأنظمة تكون العدالة الانتقالية "انتقامية" من رموز النظم السابقة.. فكيف يمكن أن نتفادى ذلك والوصول إلى عدالة انتقالية تصالحية؟

- في جميع النظم يجب أن تكون العدالة الانتقالية في المراحل الانتقالية عدالة انتقالية تصالحية، وليست انتقامية، فيما عدا الجرائم الجنائية كالقتل أو التحريض على القتل، ويجب إعمال القانون في تلك الجرائم، ولكن فيما عدا ذلك أتمنى أن يكون هناك تصالح كامل، فرفع الدعوى العمومية من اختصاصات النائب العام باعتباره ممثلا عن المجتمع، ويمكنه تحريك الدعاوى ضد رموز النظام السابق أو إرجائها أو غض الطرف عنها، وأتمنى أن يتم غض النظر عن بعض الدعاوى، ما عدا جرائم القتل - لتحقيق المصلحة العليا للوطن، والمصالحة الوطنية، والاستقرار، وإن كانت جرائم القتل يمكن التعامل معها بمبدأ الشريعة الإسلامية بدفع الدية في جرائم القتل، وذلك لتحقيق العدالة بصورة مختلفة عن ذي قبل، بهدف مصلحة الوطن، وتغليب المصلحة العامة على المصالح الخاصة، مع الأخذ في الاعتبار المصالح المختلفة للمؤيدين والمعارضين.

> ما هى التدابير والإجراءات القانونية التي يجب اتخاذها في المرحلة الانتقالية التي تمر بها البلاد ؟
- يجب توسيع نطاق الحقوق والحريات العامة، وتحديد صلاحيات رئيس الجمهورية، وتقييدها، فضلا عن اتخاذ الإجراءات التي من شأنها رفع كفاءة الاقتصاد المصري، بما يحقق متطلبات وطموحات الفئات الكادحة، ووضع حد أدنى للأجور، ومراعاة الفوارق في الأجور بين العاملين في الدولة، والمساواة بين جميع أفراد المجتمع في الحقوق والواجبات دون تفرقة بسبب الجنس أو الديانة، وتحقيق العدالة الاجتماعية.

> ما الذي تنتظره من الدستور الجديد بعد تعديله ؟
- توسيع نطاق الحقوق والحريات العامة، والتوازن بين جميع سلطات الدولة، والحد من اختصاصات وصلاحيات رئيس الجمهورية، وأن يكون محققا لطموحات وآمال جميع أطياف الشعب المصري وفئاته، ويمكن الأخذ بأفضل ما ورد في دساتير 1923، 1971، 2012، وألا يقوم الدستور الجديد بإقصاء تيار سياسي معين، ونأمل أن تشارك الأحزاب الدينية في وضع الدستور أيضا، وأن يتحقق للدستور الدوام والاستقرار، شأن الدساتير في الدول المتحضرة.

> هل ما حدث في 30 يونيو ثورة أم انقلاب عسكري؟
- ما حدث في 30 يونيو هو استكمال لثورة 25 يناير، ومكمل للأهداف التي قامت على أساسها، ويجب خلال الفترة المقبلة أن نتغاضى عن الفترة الماضية وننظر إلى المستقبل، وشطب من قاموس المجتمع المصري هذه الكلمات "فلول، النظام البائد، سرقة الثورة" والالتفاف حول مستقبل مصر.

> وكيف ترى قرار رئيس الجمهورية المؤقت بتفويض بعض صلاحياته إلى رئيس الوزراء ؟
- تفويض رئيس الجمهورية بعض صلاحياته إلى رئيس الوزراء أو أحد الوزراء، هو وضع قانوني سليم، ومتعارف عليه، ولا أعتقد أن هذا التفويض يقصد به فرض حالة الطوارئ في البلاد، فهو مجرد تفويض لبعض صلاحيات رئيس الجمهورية المنصوص عليها في قانون الطوارئ، وليس له دلالة بفرض حالة الطوارئ، وإنما يهدف هذا القرار لتخفيف الأعباء عن رئيس الجمهورية والتفرغ للمسائل المهمة الأساسية في الدولة داخليا وخارجيا.

> وماذا عن دعوة الفريق أول عبد الفتاح السيسي في تفويض الشعب له لمواجهة العنف والإرهاب؟
- حتى تستقر الأوضاع في البلاد، وتدور عجلة الإنتاج، لابد من الاستقرار في الدولة، و"السيسي " يقصد هذا المفهوم، لذلك طلب من الشعب أن يشارك في إبداء الرأي في تحقيق الاستقرار والأمن، وليس له أية دلالات أخرى أو التلويح باستخدام العنف ضد جماعة الإخوان المسلمين، وهى أيضا دعوة للتوافق بين أفراد المجتمع والاتفاق على تحقيق الأمن والاستقرار، ويجب ألا ينفرد فصيل معين بإدارة البلاد دون غيره، ولابد أن يشترك الجميع في نظام الوطن، حتى لا يزيد الانقسام في المجتمع بين تيار مدني وآخر إسلامي.

> هل هناك دول نجحت في تحقيق العدالة الانتقالية خلال المرحلة الانتقالية التي مرت بها ؟
- نعم، جنوب أفريقيا استطاعت تحقيق الاستقرار والازدهار والنظر إلى المستقبل وحدوث توافق بين أطياف الشعب ومختلف الأحزاب، وغلبوا المصلحة العليا للبلاد على المصالح الشخصية، وتغاضوا عن عيوب الماضي، ولكن تعلموا منها، وتعاون الجميع لتقدم البلاد برئاسة "مانديلا"، الذي أسقط أخطر الأنظمة العنصرية، طوال 40 عامًا، مانديلا أسقط النظام الظالم وسعى لإقامة نظام ديمقراطى، حرر جنوب أفريقيا من العنصرية ورفض أن يستعبد شعبه.

> وماذا عن القضاة الـ75 الذين أطلقوا على أنفسهم تيار الاستقلال.. وأذاعوا بيانا يؤيدون فيه الرئيس المعزول ويطالبون بعودته للحكم؟
- قانون السلطة القضائية يمنع القاضي من مباشرة السياسة أو الانتماء إلى تيار سياسي معين أو حزب سياسي، ومن يخرج عن هذا النطاق يكون محل مساءلة ويحال للتحقيق، ويتم اتخاذ الإجراءات القانونية ضده، فلابد أن يكون القاضي مستقلا ومحايدا لا يميل إلى تيار أو اتجاه معين.
الجريدة الرسمية