العقل نائم وأراه فى غيبوبة
الولايات المتحدة نصحت بريطانيا بأن تبقى عضوًا فى الاتحاد الأوروبى، وفى اليوم التالى صرَّح رئيس الوزراء ديفيد كاميرون، بأن من الجنون أن تنسحب بريطانيا من الاتحاد.
الموقف الأمريكى هذا وفّر لى شيئًا من العزاء، ففى السنتين الأخيرتين فقط أعلنت الإدارة الأميركية أن على حسنى مبارك أن يرحل، ثم غيّرت رأيها وقررت أن يبقى، وعادت فقررت أن يرحل. وهى طالبت برحيل معمّر القذافى، والآن تريد رحيل بشار الأسد، ولها موقف من كل دولة عربية بين المحيط والخليج. وقد اعترضتُ دائمًا على أن تنصّب أى إدارة أمريكية نفسها وصيّة علينا. شعب كل بلد عربى وحده له حق القرار أن يرحل الرئيس أو يبقى.
الآن الولايات المتحدة تقرر بالنيابة عن بريطانيا، أى أن المستعمرة السابقة تقرر للدولة التى استعمرتها قرونًا، ما يجعلنى أجد العزاء فى وضع عربى تقرر فيه إدارة أميركية ما نفعل أو لا نفعل.
يحدث كل ما سبق ومراجع التكنولوجيا العالمية والاستخبارات الأمريكية تتفق على أن العالم يتَّجه شرقًا، وآسيا تحصد سبعة مراكز من العشرة الأولى من براءات الاختراعات. وقد نشرت «الحياة» التفاصيل فى مقال لمحررها العلمى أحمد مغربى، قبل أيام. كما نشرت «الجارديان» هذا الأسبوع، ملحقًا عن نزوح الأكاديميين الغربيين إلى الشرق. لم أجد أى عزاء هذه المرة وتكنولوجيا العصر تنتقل من الغرب إلى الشرق، أى تمر فوق رؤوسنا فى الشرق الأوسط، من دون أن تتوقف عندنا ولو لإعادة التزود بالوقود للرحلة الطويلة.
أين كنا والتكنولوجيا ترتحل شرقًا؟ ربما كان الأمر أنها عبرت بعد الظهر ونحن نيام. وبعضنا يقول إننا نيام حتى وعيوننا مفتوحة لأن العقل نائم، وأراه فى غيبوبة.
الكونجرس الأمريكى لا ينام فهو العين الساهرة مع الإدارة على السلام العالمى وما ينفع شعوب الأرض وما يضرها. الكونجرس هذا الذى اشتراه لوبى إسرائيل ووضعه فى الجيب الصغير للبنطلون (السّيْلة بلغة أهل لبنان)، أصدر قرارًا والعالم كله مشغول بمتابعة حافة الهاوية الاقتصادية يتحدث عن «الوجود العدائى المستمر وأفعال إيران فى نصف الكرة الغربى»، ويطلب من وزارة الخارجية الأميركية التصدى لها.
إيران أهون شأنًا من أن تتحرش بالعالم الغربى، إلا أنها موجودة أمام بلادنا، وأدين سياستها الفارسية إزاء دول الخليج كلها، وتدخّلها فى الشؤون الداخلية لليمن، ونفوذها فى العراق، ووجودها بالنيابة فى لبنان، ومحاولتها منافسة مصر على زعامة المنطقة، وهى تمثل أقلية دينية إقليميًّا وعالميًّا.
أقول لمجلسى الكونجرس الأمريكى من شيوخ ونواب «اسمحوا لى فيها»، فقد أصدرا قرارًا إسرائيليًّا آخر يدين السياسة الأمريكية لا إيران.
عطفًا على ما سبق قرأت مقالًا ليكودى الهوى فى «نيويورك تايمز» عنوانه «كيف نوقف قطار فلوس الإرهاب»، والجواب أنه يقف عندما توقف الولايات المتحدة المفلسة دفع ثلاثة بلايين دولار كل سنة على شكل مساعدات اقتصادية وعسكرية للإرهاب الإسرائيلى وبلايين أخرى غير معلنة، وحماية هذا الإرهاب بالفيتو فى مجلس الأمن الدولى. أرى أن هذا هو الجواب الصحيح الوحيد على السؤال فى عنوان المقال، إلا أن الكاتب يتحدث عن أموال مهربى المخدرات المكسيكيين وإيران وحزب الله وكل شىء غير إسرائيل الإرهابية التى أطلقت كل إرهاب آخر.
لولا أن الأمريكيين يشترون مخدرات المكسيك لربما كان شعبها اكتفى بطبخ تاكو وفاهيتا.
أخيرًا، كان وزير خارجية اليمن الأخ أبو بكر القربى، فى لندن الأسبوع الماضى لحضور مؤتمر عن اليمن، واتفقتُ والزميل غسان شربل رئيس تحرير «الحياة»، على غداء مع الوزير وسفير اليمن الأخ عبد الله الرضى.
لنراجع أخبار اليمن والأمة. قلت للوزير إن تليفزيون «سكاى نيوز» زعم أن فى اليمن نفطًا من مستوى ما عند المملكة العربية السعودية، وثمة تنافس دولى غير معلن عليه. كان الصديق أبو بكر سمع الخبر ولم يبد عليه أنه يصدق التفاصيل. وقلت له إننى أرجو أن أكون من نفط اليمن ما كان كالوست غولبنكيان من نفط العراق، أى «مستر خمسة فى المئة». وهو لم يمانع ربما لأنه لا يصدق الخبر أصلًا.
أعد كل قارئ بأننى إذا أصبحت غولبنكيان اليمن فسنقبر الفقر معًا. قولوا إن شاء الله.
نقلاً عن الحياة اللندنية