رئيس التحرير
عصام كامل

"السيسي يغزو واشنطن".. كلية الحرب الأمريكية ترصد عام من حياة الجنرال..كتاباته تؤكد أنه طالب جاد..يدرك أن تطبيق الديمقراطية في الشرق الأوسط محفوف بالصعوبات..اشتهر في كارسيل بالتدين وكان يؤم المصلين

لقاء الفريق السيسي
لقاء الفريق السيسي مع وزير الخارجية الأمريكي جون كيري

على خلاف ما يظهر عليه الفريق أول عبد الفتاح السيسي في الصور اليوم بملابسه العسكرية الأنيقة التي تزينها النياشين يبين الكتاب السنوي لكلية الحرب الأمريكية صورة الضابط الذي سيمسك بزمام السلطة في مصر يومًا ما مبتسمًا في حفل ببلدة صغيرة في بنسلفانيا وهو يبدو مسترخيًا ومرتديًا "قميص بولو أصفر اللون".

وثمة صورة للسيسي أثناء زيارته لأحد ميادين الحرب الأهلية الأميركية وصورة أخرى لأسرته التقطت في حفل حضروه بمناسبة عيد القديسين وتظهر في الصورة زوجته وابنته إلى جانب امرأة ترتدي ملابس كليوباترا.

كان الكتاب السنوي لعام 2006 موضوعًا بعيدًا عن الأعين بمكتبة كلية الحرب في كارليسل.

وتوثق الصور في الكتاب التي لا تعود إلى تاريخ بعيد تذكرة لعام أكاديمي قضاه قائد الجيش خلال بعثة زمالة عسكرية في هذا المكان الهادئ في الولايات المتحدة.

في بلدة كارليسل، ترك السيسي انطباعًا في المسجد المحلي وفي الكلية نفسها بأنه طالب جاد تعكس كتاباته مدى إدراكه أن تطبيق الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط أمر محفوف بالصعوبات.

ومنذ الإطاحة بالرئيس المصري محمد مرسي في الثالث من يوليو يتركز الجدل الدائر بشأن النفوذ الأميركي المحدود على الجيش المصري على 1.3 بليون دولار تقدمها الولايات المتحدة مساعدات عسكرية لمصر.

لكن مؤيدي برامج الزمالة الدولية يقولون إن العلاقات الثقافية التي تشكلت في أماكن مثل كارليسل ربما تكون أكثر أهمية في بناء علاقات مستديمة بين الولايات المتحدة ومصر.

ورغم الأزمة القائمة بينه وبين إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما بسبب حملته على أنصار مرسي يواصل السيسي اتصالاته المنتظمة مع واشنطن.

وأجرى السيسي 16 مكالمة هاتفية بوزير الدفاع الأميركي تشاك هاغل منذ الإطاحة بمرسي الشهر الماضي.

وقال قائد كلية الحرب الجنرال أنتوني كوكولو "أراهن على أن الانغماس التام في الغرب على مدى الجزء الأكبر من عام... يساهم في حقيقة أن خطوط الاتصال مفتوحة."

وتجاهل السيسي تحذيرات من هاجل وآخرين قبل عزل مرسي، كما رفض دعوات لضبط النفس وأرسل قوات الأمن في 14 أغسطس لفض اعتصامين لأنصار مرسي.

وقُتل 900 شخص على الأقل من بينهم 100 من قوات الشرطة والجيش منذ ذلك اليوم جراء الحملة الأمنية على جماعة الإخوان التي ينتمي إليها مرسي في اعنف اضطرابات تشهدها مصر في تاريخها الحديث.

واعترف هاجل الإثنين الماضي بأن "قدرتنا على التأثير على مجريات الأمور في مصر محدودة. كل الدول محدودة النفوذ في الشئون الداخلية للدول الأخرى."

وعلى لوحة معلقة في قاعة الندوات بكلية الحرب كتبت بالحبر الأزرق عبارات مثل "لا للرتب" و"ليكن ذهنك مفتوحاً" - في إطار محاولة لتعزيز الحوار المفتوح وغير الرسمي بين الضباط الأميريكيين والضباط القادمين من دول أخرى.

وتستضيف الكلية حوالي 80 مبعوثًا من الخارج كل عام وهو عدد تضاعف مرتين عما كان عليه عندما كان السيسي يدرس في هذه الأكاديمية. 

ويفد هؤلاء المبعوثون من دول مثل باكستان والهند إلى جانب الحليفين التقليديين - كندا وبريطانيا - للدراسة مع ضباط من القوات المسلحة الأميركية ومدنيين من وزارة الدفاع ومن وكالات أميركية أخرى.

وهذا العام أوفدت مصر ضابطًا واحدًا إلى الولايات المتحدة للتدريب على اللغة قبل الإطاحة بمرسي؛ لكن بيانات وزارة الخارجية الأميركية تشير إلى أن عدد العسكريين المصريين المشاركين في البعثات العسكرية الأميركية إجمالًا من خلال البرنامج الدولي للتعليم العسكري والتدريب قد تراجع بشكل كبير من 53 ضابطًا في 2011 إلى 22 في 2012.

وفي 2006 بدا السيسي أكثر تحفظًا من زملائه في مناقشات الدورة العسكرية ربما لأنه حذر بطبيعته أو خوفًا من أن تلاحقه تعليقاته فيما بعد.

وقالت شريفة زهور الأستاذة السابقة للسيسي والتي كانت تقوم بتدريس موضوعات عن الشرق الأوسط "(لم يكن السبب) إنه لم تكن لديه وجهة نظر، أعتقد أنه كان يعرف أن أي شيء يمكن أن تقوله يمكن ترديده."

ووصفه مستشار الكلية ستيف جيراس بأنه "جاد وهادئ" حتى في المناسبات التي تجري في الخارج ومن بينها تجمع حضره السيسي في بيت جيراس نفسه لمشاهدة مباراة رياضية.

ويتحدث من عرفوا السيسي خلال بعثته إلى الولايات المتحدة عن شخص كان في ذروة الحرب الأهلية العراقية التي أعقبت الغزو يشكك بشدة في الفرضيات الأميركية المسبقة عن ازدهار الديمقراطية هناك.

وفي تعليقات تستشرف الأزمة الحالية التي تعيشها مصر كتب السيسي في مشروعه البحثي أن الديمقراطيات الناشئة في الشرق الأوسط ستكون على الأرجح أكثر تأثرًا بالدين عنها في الغرب.

وكتب السيسي يقول: "أظهر التاريخ أنه في السنوات العشر الأولى من أي ديمقراطية جديدة ينشأ على الأرجح صراع سواء من الداخل أو الخارج مع اتجاه هذه الديمقراطية الوليدة إلى مرحلة الرشد."

وقال "ومجرد تغيير الأنظمة السياسية من الحكم الاستبدادي إلى الحكم الديمقراطي لن يكون كافيًا لبناء ديمقراطية جديدة."

وربما بدت بعض كتابات السيسي اليوم تهكمية إذا ما وضع في الاعتبار أنه قاد عملية الإطاحة برئيس "إسلامي" كان في الوقت نفسه رئيسًا منتخبًا. ويقول منتقدو رئاسة مرسي إنه لم ينشئ حكمًا يضم مختلف أطياف الشعب بل اقتصر على أنصاره من الإسلاميين ولم يحكم البلاد حكمًا ديمقراطياً.

وفي ورقته البحثية في 2006 أشار السيسي إلى الفوز الانتخابي الذي حققته حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) - وهي أحد فروع جماعة الإخوان - وقال إنه يرى أن "الأحزاب المنتخبة في إطار الشرعية يجب أن تمنح الفرصة للحكم."

وكتب يقول "لا يمكن للعالم أن يطالب بالديمقراطية في الشرق الأوسط ثم يرفض نتيجتها لأن حزبًا أقل موالاة للغرب حصل على السلطة بطريق مشروع."

وطلب السيسي عدم نشر مشروعه البحثي؛ لكن المشروع نشر بشكل واسع النطاق وهو أمر قال قائد الكلية إنه يأسف له.

وعاش السيسي في شارع خلاب يقع في المركز التاريخي لكارليسل حيث تتدلى الأعلام الأميركية من الشرفات الأمامية.

يقع البيت الذي كان يسكن فيه السيسي على مسافة قريبة سيرًا على الأقدام من مدرسة محلية درس فيها ابنه وعلى بعد مسافة قصيرة بالسيارة من المسجد الذي يرتاده في العادة الدارسون المسلمون في كلية الحرب وعائلاتهم.

واشتهر السيسي هناك بأنه رجل متدين كان يؤم المصلين في بعض الأحيان؛ وقال عبد الماجد عيود الذي يصلي في هذا المسجد "كان يصلي معنا. هو الآن رجل مهم."

ولم تكن كارليسل المحطة الأولى التي يدرس فيها السيسي في الولايات المتحدة ففي عام 1981 تلقى دورة أساسية في سلاح المشاة في قاعدة فورت بنينج في جورجيا.

ويقول الضابط الأميركي المتقاعد فرانك فيليبس الذي كان صديقاً للسيسي هناك إن الجنرال المصري كان يؤم الطلبة المسلمين فى صلاتهم خلال الدورة الدراسية.

وقال فيليبس واصفاً السيسي "كان متدينا لكنه لم يكن متعصبًا" وقال إنه "شديد الوطنية".

ويحكي فيليبس أن السيسي ذهب معه لشراء خاتم زواج في كولومبوس في جورجيا. وعندما اتفق فيليبس على أن يعود لاحقًا لتسلم الخاتم - وهو أمر غير معهود في مصر - عرض السيسي أن يساعده ماليًا كي يعود بالخاتم في نفس اليوم.

ورفض فيليبس العرض بلطف لكنه قدر موقف السيسي بشدة. وقال "إنه رجل رصين".

ورفض من عرفوا السيسي خلال إقامته بالولايات المتحدة بشكل عام اتخاذ موقف من الاضطرابات السياسية في مصر. لكن فيليبس يقول إنه مطمئن إلى أن السيسي سيفعل الأصلح لمصر وأنه سيقدر الآراء الأميركية نظرًا لتجربته في الولايات المتحدة.

وقال "هل هو أكثر ميلًا الآن لوضع وجهة النظر الأميركية في الأمور في اعتباره؟ أظنه كذلك."

وكتب اسم السيسي مع زملائه الآخرين من فصل 2006 على لوحة مطلية باللون البرونزي تغطي جدار روت هول - البناية الرئيسية في كلية الحرب.

لكن التكريم الأعلى في الكلية لا يزال في انتظاره. ففي الداخل توجد "صالة الشرف" وفيها صور للمبعوثين الذين - مثل السيسي - قادوا جيوش بلادهم.

والجنرال تيبور بنكو الذي أصبح رئيسًا لأركان القوات المسلحة المجرية هو أحدث المنضمين إلى قاعة الشرف وقد وضعت صورة أكبر حجمًا له في صدر عشرات من العسكريين الآخرين من ألمانيا وإيطاليا ودول أخرى.

وعلى الرغم من أن القرار النهائي بشأن ضم صورة السيسي إلى قاعة الشرف يرجع إلى السفيرة الأميركية في القاهرة وكبار مسئولي الجيش قال قائد كلية الحرب الجنرال أنتوني كوكولو إن إجراءات ضمه ستبدأ في المضي قدمًا.

وقال كوكولو "إنه يستوفي المعايير وسوف أمضي قدمًا في هذا الأمر. وما يجري الآن لا يؤثر في رأيي في هذا الشأن."

الجريدة الرسمية