رئيس التحرير
عصام كامل

إسرائيل تستغل انشغال العرب وتكرس يهودية الدولة.. قادة إسرائيل ينفذون مخططا ثلاثيا لتهويد القدس.. الدولة العبرية تحاول توسيع بؤر الاستيطان وكسر الإرادة الفلسطينية.. اليهود يفرغون محيط الأقصى

الاحتلال اليهودي
الاحتلال اليهودي للقدس

فى الوقت الذى تتصاعد فيه وتيرة التوتر فى المنطقة العربية بسبب تطورات الأوضاع بدول الربيع العربى، تمضى إسرائيل فى تكثيف ممارساتها القمعية وتنفيذ مخططاتها الهادفة إلى تحويل دفة الصراع إلى جهة تكريس الدولة اليهودية، وذلك بفرض وقائع جديدة على الأرض لا يمكن التعامل معها بشكل دبلوماسى، خاصة فى ظل مؤشرات عودة المفاوضات عديمة الجدوى برعاية أمريكية.

ويبدو أن قادة إسرائيل الذين ينفذون مخططًا ثلاثى الأبعاد يقوم على تهويد القدس وتوسيع بؤر الاستيطان وكسر الإرادة الفلسطينية، قد عقدوا العزم على تسريع خطى ذلك المخطط الاستعمارى، فى ظل حالة انعدام الوزن التى تمر بها القوى التقليدية العربية ذات التأثير التاريخى فى مسار القضية الفلسطينية.

فيما تتراجع القضية الفلسطينية وهى القضية الأم للعرب والمسلمين فى جدول الاهتمامات، سواء على الصعيد السياسى أو الأمنى أو الإعلامى، حيث تحتل أخبار التطورات فى مصر وسوريا وليبيا وتونس واجهة المشهد، وهو ما منح مساحة واسعة لقادة إسرائيل ومن خلفهم الراعى الأمريكى للفكاك من كل التعهدات، والذهاب بعيدًا إلى فرض شروط لبدء عملية السلام من جديد بعد أن كان المطلب الإسرائيلى الأول هو بدء المفاوضات بلا شروط مسبقة.

ووفقا لما أكده وزير الخارجية الأردنى ناصر جودة، خلال لقاء فى عمان مع كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات، أمس السبت، فإن هناك جولة رابعة من المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين خلال الأيام القليلة المقبلة.

حيث تعتبر القيادات الأوربية أن نجاح المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية سيعطى دفعة قوية للسلام فى كامل المنطقة الغارقة فى أزمات خانقة، إلا أن الرهان سوف يبقى على توافر إرادة حقيقية لإنجاح تلك الجولة من المفاوضات، فى وقت تمارس إسرائيل كل ما من شأنه تدمير عملية السلام نهائيا أو "تجييرها" لصالحها، ومنح الفلسطينيين الفتات، مع إنهاء أى أمل فى إحياء حق العودة ووضع القدس كعاصمة للدولة الفلسطينية.

وتطرح الوقائع على الأرض وما تقوم به إسرائيل من ممارسات إشكالية جدوى استمرار المفاوضات، إذا كان الجانب الرئيسى فيها يستغل أوضاع المنطقة، ويمارس بشكل تعسفى جرائم ترقى إلى جرائم الحرب فى الأراضى الفلسطينية المحتلة.

حيث تؤكد تقارير الجهات المعنية بالدفاع عن الحقوق الفلسطينية أن قوات الاحتلال فضلًا عن استمرارها بفرض حصارها الجائر على قطاع غزة منذ نحو 7 سنوات، إلا أنها مستمرة فى فرض المزيد من العقوبات على السكان المدنيين فى إطار سياسة العقاب الجماعى المخالفة لكافة القوانين الدولية والإنسانية فى الضفة الغربية.

فيما تمضى الآلة القمعية الإسرائيلية فى ارتكاب جرائم القتل الناجمة عن الاستخدام المفرط للقوة المسلحة، ناهيك عن ممارسة أعمال التوغل والاقتحام واعتقال المواطنين الفلسطينيين بشكل يومى فى معظم مدن الضفة الغربية، حيث لا تستثنى أحدًا أو منطقة من مناطق مدن وبلدات ومخيمات الضفة، بما فى ذلك الأطفال والنساء والصحفيين.

كما تشير التقارير إلى أن قوات الاحتلال تستخدم القوة لتفريق المشاركين فى مسيرات الاحتجاج السلمية، التى يجرى تنظيمها فى الضفة الغربية ضد الأعمال الاستيطانية، وبناء جدار الضم "الفاصل"، فى إطار سياستها الممنهجة لقمع أى تحرك شعبى فلسطينى يعارض سياساتها الاستيطانية.

وعلى صعيد متصل تتعرض مناطق الضفة الغربية المصنفة فى منطقة"C" وفق اتفاق أوسلو الموقع بين حكومة إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، لحملات إسرائيلية محمومة بهدف تفريغها من سكانها الأصليين لصالح مشاريع التوسع الاستيطانى، وفى مقدمة تلك المناطق مدينة القدس الشرقية المحتلة وضواحيها.

وعلى الرغم من النداءات الاحتجاجات الدولية والعربية على مواصلة إسرائيل لمخططاتها الاستيطانية، إلا أن الفترة الأخيرة شهدت تكثيفًا وتحديثًا لتلك المخططات، حيث استمرت سلطات الاحتلال الإسرائيلى فى توسيع البؤر الاستيطانية، ورصد الموازنات الضخمة لإنشاء المزيد منها.

ولم تكن موافقة السلطات الإسرائيلية منتصف أغسطس الجارى، على بناء نحو 1200 وحدة استيطانية جديدة فى الضفة الغربية والقدس الشرقية، هى الأولى ضمن مخطط نشر المستوطنات السرطانية فى مناطق الضفة الغربية المحتلة، كما أنها لن تكون الأخيرة. 

ووفقا لتصريحات وزير الإسكان الإسرائيلى أورى أرئيل فإن هذه الوحدات تدخل ضمن ما وصفه بـ "سلطة الأراضى فى إسرائيل"، مشددا على أنه "لا يوجد بلد فى العالم يوافق على قبول إملاءات من دول أخرى تفرض عليه إن كان بمقدوره أن يبنى على أرضه أم لا"، فى تلميح إلى الضغط الدولى الذى تتعرض له إسرائيل لوقف الاستيطان فى الأراضى الفلسطينية. 

ولعل المريب فى الأمر هو أن الموافقة على هذا المشروع الاستيطانى الكبير جاءت قبل 3 أيام فقط من لقاء فلسطينى إسرائيلى لاستئناف مفاوضات السلام فى القدس، وهو ما يؤشر إلى عدم التفات قادة إسرائيل إلى ضرورة تقديم حسن النوايا قبل البدء فى جولة عبثية جديدة مما يعرف بمفاوضات السلام. 

ويدرك المراقب لما يجرى أن مجرد النظر إلى خريطة توزيع المستوطنات الإسرائيلية فى كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، أن إقامة هذه المستوطنات فى مواقعها الحالية لم يأت عبثًا، بل وضعت ضمن خطط مدروسة بعناية لتحقيق الأهداف والمطامع الإسرائيلية للسيطرة على الأراضى الفلسطينية، أو الضغط على التجمعات السكانية الفلسطينية لكى تصبح هذه التجمعات فى النهاية جيوبًا صغيرة، أو كما يسمى كانتونات مغلقة وسط المحيط الإسرائيلى المتمثل فى المستوطنين الذين سكنوا هذه المستوطنات.

كما أن توزيع هذه المستوطنات الذى لا يقيم وزنا للضغوط الدولية والاستغاثات الفلسطينية، يميل إلى الانتشار مع التركز، أى أنها تنتشر على جميع الأراضى الفلسطينية فى الضفة الغربية وقطاع غزة إلا أن هناك تركزًا فى بعض المناطق، خصوصًا بالقرب من التجمعات السكانية الفلسطينية الكبيرة.

وتسعى إسرائيل إلى إنجاز مخططها الاستيطانى بأسرع وقت ممكن، مستغلة ما يجرى فى المنطقة من تطورات، حيث تعمل إسرائيل من خلال استعمار الأراضى المحتلة على الانحراف بمسار المفاوضات لتكون فى مصلحتها، وتأمل بالحصول على الاعتراف بحقها بالسيادة الدائمة على تلك الكتل السكانية غير الشرعية.

وقد يُشكِّل الأساس لهذه السياسة أيضًا الرغبة فى ضمان أن تكون أية دولة فلسطينية غير قادرة على النمو والتطور بجعل أراضيها مقسَّمة بالمستوطنات، وفيما يتعلّق بمستوطنات القدس الشرقية، بما فى ذلك المستوطنات التى وُضعت داخل الحدود البلدية للقدس، لا شك بأن هدفها أيضًا هو دعم مطالبة إسرائيل غير القانونية، وجعل القدس الشرقية المحتلة جزءًا من عاصمتها، وتعديل التركيبة الديموغرافية للمدينة لضمان أن يُشكّل الإسرائيليون غالبية السكان فيها.

أما الكارثة الكبرى التى تتواصل على قدم وساق، فهى مساعى إسرائيل لتهويد القدس‏، والتى تأتى ضمن مخططات عديدة لتفريغ محيط المسجد الأقصى من أبنائه الحقيقيين، ومحاولة تغليب الوجود الإسرائيلى مكانهم، وفى إطار الهجمة الإسرائيلية على القدس بهدف تهويدها وعزلها عن محيطها الفلسطينى. 

وتشير تقارير صحفية إلى أن مؤسسة الاتحاد الأمريكى اليهودى فى نيويورك خصصت مبلغ 541 مليون دولار لدعم مشاريع خاصة بها وبحلفائها فى القدس، أو بعبارة أخرى ما سيسفر عن تهويد المدينة المقدسة.

فيما تسعى 31 منظمة يهودية أخرى مختصة فى بناء الهيكل وتهويد القدس، ولكل واحدة منها مصادرها المالية ودورها الخاص بها، إلى استكمال نفس الدور وهو تهويد القدس وجعلها عاصمة أبدية للدولة اليهودية، من خلال وسائل معتمدة تدعمها حكومة إسرائيل مثل المد الاستيطانى ومصادرة الأراضى والتهجير وسحب الهويات وإصدار القوانين الملتوية.

وعلى الرغم من أن وسائل التهويد التى تعتمدها السلطات الإسرائيلية منذ عقود لمحاصرة القدس وتضييق الخناق على أهلها، تسير وفق خطط منهجية، إلا أنها زادت وتيرتها منذ بدء ما يعرف بالربيع العربى، وذلك بهدف فرض أمر واقع يكرس لحلم قيد وهو "القدس عاصمة إسرائيل الأبدية".

وكما قال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو فى خطابه الشهير أمام الأمم المتحدة فى 2011 : "على الفلسطينيين الاعتراف بحقنا التاريخى فى القدس، هم يتحدثون عن تهويد القدس، وهذا أشبه باتهام أمريكا بأمركة واشنطن أو الإنجليز بأنجلة لندن".
الجريدة الرسمية