رئيس التحرير
عصام كامل

ساعات "العمر"


العمر عبارة عن ساعات، منها ساعات تمر بنا من غير أن نشعر بها، تجرى مراكبها تسابق الرياح، تحمل أشياءً نحبها وأخرى نكرهها..

ومنها ساعات نترقب قدومها بشوق ثائر يعترينا، وخطى نسرع تجاهها، ننتظر أوان حلولها ضيفًا عزيزًا يزين بنسماته مجالسنا، ويعطر بزهره أيامنا، فتشرق شمس أمل جديد، يرسم فرحة ويطبع بسمة على ثغر حزين.


ومنها ساعات نهرب منها، نخشى مواجهتها، ونرجو أن تنقضى بسرعة؛ لأنها تزرع فينا مشاعر الخوف والقلق، فلا نملك أن نواجهها أو نتحداها إلا فى حالة ينتصر فيها سلطان إيماننا، ويقوى وازع رضانا بتصريف أقدارنا خيرها وشرها.

ووسط زحمة هذه الساعات التى تمر وتنقضى، تولد ساعة فريدة، غالية نفيسة، تخرج من رحم الزمن، تصرخ بنبض الحياة، تتنفس بانتظام، تهب هبوب الرياح المرسلة، تغيث عطش النفوس الظمأى، وتخمد نار قلوب حيرى، تهدئ أوجاعها وتضمد جراحها، فما تلبث أن تطلبها على الدوام.

إنها الساعة الوحيدة من بين كل الساعات، التى تطوى دروب الزمن ، وتقفز خلف الأسوار، فتبعث فى النفس البشرية إحساسا متميزا، يصرفه عن الفتور والكسل، ويصنع منه إنسانا مؤمنا قويا، يدرك معنى التدين الحقيقى، فيقبل على الله بفهم وإحساس جديد، يرفعه عن النقائص ويرغبه فى الفضائل، ويزهده فى حب الدنيا والتعلق بزخرفها وديباجها ومحاسنها الزائلة.

إنها ساعة الفرحة الكبيرة، التى تغمر النفس بالنشوة ، وتطبع على ثغرها أجمل بسمة، فيصير للحياة طعم حلو المذاق، ولون بهيج، كلون باقات الورد.
 
إنها ساعة السعادة الحقيقية التى ينشرح لها الصدر، ويسر الفؤاد، ويطرب القلب، ويغرد بصوت عذب على غصن رطيب أجمل نشيد، يحرك الإحساس فيطلق اللسان سراح الكلمات، فتطير نحو الأفق، تحمل على جناحيها خواطر نفس تجيش بمعان صادقة ونبيلة، تزود المؤمن الحقيقى بزاد يقوى صلبه، ويسند ظهره، ويشد أزره، ويعينه على مواصلة الطريق بعزم وإصرار على بلوغ المرام، وختم رحلة الحياة بمسك الختام.
الجريدة الرسمية