مشعلو الحرائق !
هذا عنوان مسرحية للكاتب السويسري العظيم ماكس فريش، يطل علىّ الآن فأسال نفسي هل حقا الذين يقومون بهذه الفوضى وهذه الحرائق هم مجرد أتباع للرئيس المخلوع محمد مرسي، أم هم طبقة تأكد في وعيها بالتعليم المغلوط والتلقين وتغييب العقل أنهم الأفضل في هذه الدنيا وما عداهم لا يستحق الوجود؟ أجل، هم الآن لا يلعبون سياسة، تماما كما فعل زعيمهم مرسي الذي لم يستجب مرة واحدة لنداء الشعب، هم ليسوا الطبقة الرأسمالية الجشعة التي تفعل أى شيء حتى تزيد مكاسبها.
هذا ينطبق على القيادات الكبرى منهم، لكنهم وهم الفقراء تم تجنيدهم لخدمة الأفكار التي لا مكان لها على الأرض، أفكار قائمة على الاستعباد للآخر، ورغم أنهم في أغلبهم من عامة الشعب يحتقرهم قادتهم في سرهم وإن لم يعلنوا ذلك، لكن هذا الاحتقار يتجلى في تحويلهم لآلات صماء يمسك قادتهم بمفاتيحها لتشغيلها في أي وقت، صاروا تروسا في عجلة العبودية التي انتهت من العالم، وبين هؤلاء التروس من خرج من العبودية لرئيسه إلى استعذاب الإرهاب نفسه، فصورة الآخر قتيلا أو ممثلا بجثته تعني له سعادة غامرة وفرحا كونيا فهو يقترب بهذا العمل الفاحش من الله! هل رأيتم أسوأ من هذا تلقينا وسرقة للعقول؟ في كل الاعتصامات السلمية الحقيقة التي قام بها شباب الثورة وفضها البوليس أو الجيش كان الضحايا من المعتصمين، هذه المرة طبعا لا، فالأسلحة موجودة في الاعتصام ومن ثم فقد كان قتالا لا فضا للاعتصام.
وبعيدا في أماكن أخرى، تمت مهاجمة أقسام البوليس والكنائس وقتل من فيها والتمثيل بحثثهم، يا إلهي. في دير مواس حرقوا الكنائس ومثلوا بجثة أحد الضحايا ولما دفن في اليوم التالي ذهبوا وأخرجوا جثته من القبر ومثلوا بها من جديد، خرجوا من التبعية السياسية لرئيس تم عزله إلى التبعية للشيطان، والحقيقية أنهم تعلموا ذلك من رئيسهم ومن قادتهم كما قلت، فهم الشياطين الحقيقيون، لكن من المهم جدا ألا نقول عنهم أتباع مرسي، من المهم جدا تصنيفهم بالإرهابيين وحدهم هكذا بعيدًا عن ذكر أي انتماء، لقد تعلموا أيضا أن الإرهاب طريق الوجود.
مضى الآن يوم كامل على فض اعتصامي رابعة والنهضة والحرائق لا تزال، وصلت إلى محافظة الجيزة، وهم الآن في الطريق لحرق كنيسة القديسين في الإسكندرية لكن المعارك مع السكندريين الأحرار بدأت في الطريق، ولابد أن إشعال الحرائق تعلموه كأنه النور الذي يحملونه وليس حتى تخريبا ولا إرباكا للحكومة والحكام.
هؤلاء وقادتهم ليسوا من الزمن الحاضر ولا حتى من الماضي القريب، هؤلاء من زمن الأساطير التي كانت فيها الوحوش تقف للناس في الطرقات تقتلهم وتأكلهم حتى يأتي من يعرف سر قوة هذا الوحش فيمنعها عنه فيتبخر ويتفتت، ما هو إذن سر قوة هؤلاء وإقبالهم على هذه الحرائق وهذا السحل، هو أنهم خرجوا من دائرة الإنسانية عبر أكثر من أربعين سنة ترك لهم فيها النظام الحبل على الغارب يعلمون أجيالهم التوحش في أمان، المهم أن يكونوا بعيدا عنه، ما هو السبيل الآن لقطع سر قوتهم، للأسف لن يجدي أي نقاش ولا أي حوار، لقد صار التوحش طبيعة في نفوسهم وأرواحهم، على الدولة ألا تنتظر ما يفعلون وعلينا الصبر حتى يطولهم اليأس فيحرقون أنفسهم في النهاية الحريق الأخير.