ها هم يخطئون مرة أخرى
جماعة الإخوان كيان بشرى، يجوز في حقه ما يجوز في حق أي كيان بشرى آخر.. فهو يتعافى ويمرض، يقوى ويضعف، ينتصر وينكسر، يتقدم ويتأخر، يعلو ويهبط، وهكذا.. غير أن الإخوان لديهم عيوب خطيرة قل أن توجد في أي جماعة بشرية، وهى أنهم لا يعترفون أبدا بأخطائهم، وليس لديهم أي استعداد للاعتذار عن أي خطأ يرتكبونه، بل لديهم دائمًا وأبدا التبرير الجاهز والمعد سلفا.
كان من نتيجة ذلك، أن الإخوان لا يستفيدون من أخطائهم، ولا يتعلمون من دروس الماضى والحاضر، وبالتالى ظلوا على جمودهم الفكرى والمنهجى والتنظيمى.. لم يراعوا أن الشعب المصرى قام بثورة فذة في ٢٥ يناير، وكان من أعظم مكتسباتها الحرية، التي كان من المفترض أن تملى عليهم تغيير اللوائح والنظم وتطوير الهياكل الإدارية وتحديث الوسائل والأدوات والأهداف، فضلا عن الانفتاح على الجماعة الوطنية، بما يتفق وطبيعة المرحلة الجديدة، إلا أن ذلك لم يحدث وبقى التنظيم على ترهله، وكأن ثورة لم تقم.
تأملت طويلًا هذه العيوب، فوجدتها ترجع إلى مجموعة من الأسباب..
أولها: إحساس الإخوان بالتميز والنظرة الفوقية للآخرين، وأنهم فصيل يمثل أفضل وأرقى من في المجتمع، بالرغم من أن المجتمع المصرى فيه من هو أفضل وربما أقرب إلى الله منهم.. للأسف كنت شخصيا أعتقد ذلك، وكانت تغيب عن ذاكرتى كثيرا مقولة الأستاذ البنا نفسه: كم منا وليس فينا، وكم فينا وليس منا..
ثانيها: الانقياد الأعمى للقيادة لدرجة تصل في بعض الأحيان إلى حد التقديس، خاصة فيما يتعلق بشخص الأستاذ البنا، يغذى ذلك قضية السمع والطاعة والثقة "شبه المطلقة" في القيادة، لم يكن للنظرة النقدية أي اعتبار، وبالتالي لم تكن هناك محاولة أو شروع في محاولة أو حتى مجرد التفكير في مساءلة أو محاسبة "الكبار"..
ثالثها: الانكفاء على الجماعة، حيث يعيش الفرد فيها حياته، ومنها يأخذ ثقافته، وعلى أساس برامجها التربوية والدعوية يستقى قيمه وأخلاقياته، ومن النادر أن تكون له شبكة علاقات اجتماعية خارج الجماعة، الأمر الذي جعله أحادى التفكير والنظرة، ومن ثم عدم الاستفادة من الأفكار والثقافات الأخرى، مع أن "الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها، فهو أحق الناس بها" كما جاء في الحديث.
عبر عقود طويلة، كانت مشكلة الإخوان مع الأنظمة الحاكمة، بعد أن خاضوا تجربة حكم فاشلة وبائسة وتعسة، أصبحت مشكلتهم مع الشعب الذي ثار عليهم في ٣٠ يونيو ومطالبته إياهم بالرحيل، وخروجه في ٣ يوليو لموافقته على إزاحتهم من سدة الحكم وإقراره خارطة طريق جديدة، ثم خروجه في ٢٦ يوليو لتفويض الجيش والشرطة لمواجهة العنف والإرهاب المحتمل؛ ولأنهم لا ينظرون إلى أخطائهم وخطاياهم، رغم وضوحها لكل ذى عينين، ولأنهم أيضًا لا يدركون مدى خسارتهم ونكبتهم، بل يبررون لأنفسهم كل ما يفعلون، إذا بهم يرتكبون أكبر حماقة في عمرهم..
فبدلا من أن ينتحوا جانبا ليعيدوا بناء أنفسهم من جديد، وجدناهم يدخلون في اعتصامات غير سلمية تحرض على العنف والقتل، وتظاهرات تقطع الطريق وتشيع الفوضى، وتدخل في مصادمات مع الجيش والشرطة والشعب.. كان لديهم هم وأشياعهم وقت كاف للخروج بكرامة، لكنهم أبوا إلا أن يقدموا بأيديهم الفرصة للداخلية لتضربهم بقسوة وعنف.. رأيناهم يستقوون بالغرب يطلبون نجدتهم، يسعون بطرق بلهاء لتفكيك الجيش، يقتحمون أقسام الشرطة ويحرقون الكنائس، ويعتدون على الممتلكات العامة والخاصة.. لذا فقدوا كل تعاطف أو قبول، بل إنهم استجلبوا أعنف حملة كراهية ضدهم في تاريخهم.. هذه هي المشكلة الكبرى..