مصر.. إلى أين ؟!
ـسؤال قد يبدو بديهيا وبسيطا.. ولكنه من أعقد ما يكون، ولا يستطيع أحد أن يجيب عنه بتلك السهولة التى يطرح بها.. هل نعلم الطريق التى نسير فيها ونعلم أن عاقبتها هى الهلاك؟!.
ليس فى ذلك أية نزعة للتشاؤم، ولكنها الحقيقة التى تصرخ فى وجوهنا ليل نهار، ونحاول أن نتحاشاها أو نلتف حولها ببعض التصريحات أو الأخبار والأنباء المرعبة والمفزعة، ككارثة قطار أو انهيار عقار أو سقوط ضحايا فى طابور خبز أو صراع بين الأشقياء والبلطجية على السيطرة على أنابيب الغاز والتحكم فى سعرها أو التظاهرات الفئوية أو احتياجات هنا وهناك، وتعطيل للمصالح وتوقف عن العمل، والتى أدت إلى توقف العديد من المشروعات وإغلاق مصادر الرزق للعديد من الأسر.
حلقات معقدة ومشاهد غاية فى "الدرامية"، وأصبح الناس يسيرون فى الشوارع والطرقات يضربون الأكف، وكأنهم يمشون وعلى رؤوسهم الطير، وهم يعلمون أن كل يوم يمر يقترب بهم من الكارثة، وهم فى حالة انتظار للبلاد.. وعلى الطرف الآخر يقف من يرون فى هذه الأحداث مادة للتعليق والتحليل وكذلك السخرية التى قد تصل فى بعض الأحيان إلى حد السفه أو إلى حد الكوميديا الضاحكة، هكذا آل بنا الحال وحطت مراكب حكومتنا على شواطئ اليأس والعجز الذى قد لا تكون هى السبب الرئيسى فيه، ولكن الظروف والأحوال التى ولدت بعد الثورة على غير ما هو مطلوب أو مرغوب أو ما لم يكن يتوقع، والتى كانت بتلك السلبية التى قادتنا إلى ذلك المأزق الذى نحن فيه.. وعلى الرغم من صعوبة الموقف، فمازال الناس على حالهم، ومازلنا نطالب بالمزيد من المطالب الفئوية والحد الأدنى والحد الأقصى.
ومازال الناس يطالبون بحقهم فى الوحدات السكنية وفى فرص عمل بمرتبات مجزية، وكأنهم قد صحوا بعد الثورة ووجدوا أن الحكومة الجديدة قد أتت وفى يديها عصا سحرية، وقد صدقت الوعود والتصريحات وملايين الأفدنة التى تنتظر أن تزرع فى اليوم التالى مباشرة ومئة المليارات من الدولارات التى سوف تنهال علينا من كثير من الدول التى فرحت بثورة مصر، فحتى الشعب المصرى نفسه وراح يطلب ويطالب بقلب قوى وترك مصالحه وأعماله وتطلع إلى أن يأكل السمين والدسم، وأنه قد هيأ نفسه ومعدته له، ولذلك الكل راح يطلب أكبر نصيب فى هذه الكعكة وراحوا يتسابقون لكى يحصلوا على الحد الأقصى وأن الحكومة ستحقق الجميع.
واكتشفوا بأن هذا ما هو إلا كلام الليل مدهون بالزبد، والذى عندما يطلع عليه النهار، أقصد نهار الحقيقة "ذاب وصار كفص ملح ذاب" ذلك عن المشهد الداخلى الذى يقابله مشهد خارجى لا يقل عنه صعوبة وهزلية لا تليق بمكانة دولة كمصر لها تاريخها وحضارتها التى طالما كانت محل احترام الدول جميعاً، وإذ بالأزمة المالية تعود وبقوة بعد أن فقدت رصيدها النقدى وبعد أن توقف اقتصادها وارتفعت معدلات البطالة وارتفعت الأسعار على نحو جنونى جعل الناس لا يلهثون وراءها فقط، بل ويتعجلون الحكومة فى الوفاء بتلك الوعود التى منتهم بها.. وقد صلوا وتمخضوا بها ولكن كما يقول المثل الشائع تمخض الجبل، فولد فأراً بل ولد فقراً.
وإذا بصندوق النقد الدولى يجد أن الملعب مفتوح أمامه ليلعب الدور الذى يلعبه دائماً فى مثل هذه الظروف لصالح القوى الدولية الفاعلة فى النظام الدولى، والذى يسعى من خلال سياساته المالية المرسومة والمحدودة أن يعمل على تنفيذ أجندات هذه الدول والتى بالتأكيد ليس من مصلحتها مصلحة هذه الدولة أى " مصر"، وهو يقوم بتقييم الوضع الاقتصادى جيداً.. وبناء على ذلك يحدد شروطه ويضع محدداته التى تضع الحكومة فى وضع أكثر حرجية، وبما يسمح لهم بالتدخل فى شئونها الداخلية ومطالبتها بالعديد من التعديلات التى لن تسمح بصرف ذلك القرض دون أن تبدأ بها الحكومة والتى قد تجد نفسها مضطرة لذلك أو تجد نفسها فى موضع المفاضلة والاختيار الذى عادة ما يكون ما بين خيارين كلاهما مر، وهو ذلك الوضع فى مصر.. مع التأكيد على أن المزيد من التأزم بفضل رفع الرعب عن نظام عريض عن السلع ذات الأهمية، ولاسيما السلع الغذائية التى يستهلكها حوالى 80% من الشعب المصرى، وهنا يساعد صندوق النقد الدولى ويعجل بثورة الجياع، وهو بذلك لا يجعلنا نطيل انتظار وقوع البلاء تخفيفاً علينا، كل ذلك فى ظل لعبة سياسية كبيرة قد احتلت وسيطرت على المشهد، والتى تتم على أسس علنية اقتصادية سوداوية ووضع اقتصادى منهار.. وكلاهما لابد وأن يصل بنا إلى الطريق المسدود والمجهول المعلوم والذى ترتجف منه ولكن يظل الأمر معقودا فى مصدر الرجاء، لله سبحانه وتعالى الذى يخيب الظنون.
gamil gorgy @ gmail.com