رئيس التحرير
عصام كامل

هل الابتلاء غضب من الله؟ وكيف أعرف أنه راض عني؟ علي جمعة يناقش معنى الصبر الجميل

الدكتور علي جمعة،
الدكتور علي جمعة، فيتو

استعرض الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، ومفتي الجمهورية الأسبق، في حلقة اليوم من برنامج "نور الدين والدنيا"، قضية الابتلاءات والاختبارات في الحياة الدنيا.

وقال الدكتور علي جمعة: هذه الدنيا دار اختبار، هذا هو الواقع، وهذا هو الشأن الذي خلق الله الدنيا عليه، الدنيا ليست دائمة، بل فانية، وهي دار ابتلاء واختبار وامتحان، وينبغي على الإنسان حتى يكون سعيدا في هذه الدنيا، ناجحا في التعامل معها أن يعاملها ويفهم صفاتها، فإذا فهم المؤمن هذه الصفات وما وراءها من حكمة الله، سبحانه وتعالى، في خلقها، اطمأن قلبه وحسن عمله.


الابتلاء جزءٌ لا يتجزأ من جريان هذه الحياة الدنيا.


ونريد أن نجري نقاشا حول هذه المسألة، وما يجول في أذهان الناس بشأنها، خاصة الشباب الذين يحضرون معنا اليوم.
 

النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، يقول كمدخل لهذا الأمر: "إن الله إذا أحب عبدا ابتلاه"، وهذا على مستوى الفرد، ويقول أيضا: "إن الله إذا أحب قوما (وهذا على مستوى المجتمع) ابتلاهم فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط".

التعامل مع الأزمات

ينبغي علينا أن ندرك أن هذا نوع من أنواع الاختبار الذي من شأنه أن يخرج قوة الصبر عند الإنسان، وعندما يكون الإنسان صبورا، ويدرب نفسه على التعامل مع الأزمات، ولا ينهار أمامها، ولا يضعف بشأنها يرفعه الله، سبحانه وتعالى، رفعة ما بعدها رفعة، حيث قال: "إن الله مع الصابرين"، والعارف بلغة العرب يعرف أن كلمة "مع" تدخل على الشيء العظيم، فنقول مثلا: جاء الوزير مع السلطان؛ لأن السلطان أعظم شأنا ورتبة من الوزير، ولا نقول: جاء السلطان مع الوزير، لأن السلطان أعلى رتبة.


"مع" تدخل على العظيم، ونقول: جاء الرجل مع أبيه، أو جاءت البنت مع أبيها، لأن الأب أعلى رتبة في الوجود وفي الدرجة من الابن، ولا نعكس.. والله هنا يقول: "إن الله مع الصابرين"، فدخلت مع على "الصابرين"، لا يقول هذا إلا الله؛ لأنه منح الصابرين درجة كبيرة جدا، وأعلى قدرهم لهذا الشأن.


إذن فكلمة الصبر هذه، وهي منها اسم الله تعالى "الصبور"، تجعل الإنسان قادرا على النجاح في الدنيا، وسعادة الدارين، قادرا على ألا ينهار وينهزم أمام المشكلات، والابتلاءات.
هذا المدخل سيهيئ لنا مناقشة حول هذا المعنى؛ أن الله يحب الصبر، أن الصبر له فائدة.. فائدة للقوة.. أن هذه الحياة الدنيا بها ابتلاءات، على مستوى الفرد، وعلى مستوى المجتمع.. أن هذه الابتلاءات ينبغي علينا أن نتجاوزها بنجاح، وأن نتعداها بانتصار، وهذا لايكون إلا بالصبر.

غير الصبور يكاد يخرج عن نطاق السعادة

الإنسان غير الصبور يكاد يخرج عن نطاق السعادة، والنجاح، ونطاق التعامل المتزن مع مجريات الحياة، وهو يسخط على نفسه وعلى العالم، وقد يسخط، أيضا، والعياذ بالله، على ربنا، سبحانه وتعالى، وجل جلاله.
الله يطلب منا أن نحمده ونشكره، أن نسجد له، ولو عرفنا نعم الله، سبحانه وتعالى، التي أحاطنا بها، وما أعد للمؤمنين من ثواب يوم القيامة.. شيء مذهل، ينبغي علينا أن نسجد لله منبهرين بهذا الكرم الرباني، لا أن نسخط عليه، بل أن نرضى وأن نسلم بقوة، وكل هذا سره الصبر عند الابتلاء.
سمع النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، أحدهم يقول: اللهم إني أسألك الصبر، قال: "لم تفعل هذا"؟! "لقد سألت هكذا نزول البلاء"؛ لأن الصبر لا يكون إلا عند البلاء، إنما اسأل الله السلامة، فإذا لقيت البلاء نثبت بما تعلمناه من صبر، ونخرج حينئذ الصبر حتى نواجه هذا الأمر.
مثل القتال مع الأعداء، نحن لا نريد القتال: “وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله”، لكن عندما نغزى، ونقاتل، ويضطرونا للقتال نثبت ونصبر ونقاتل في سبيل الله؛ لأنني أدافع عن ذاتي ووجودي وكياني.

ليه ربنا بيبتلني في الحاجة اللي بحبها؟!

وسأل شاب: ليه ربنا بيبتلي الإنسان في الحاجة اللي هو بيحبها؟
ورد جمعة: وهو البلاء هيكون إزاي إلا في الحاجة اللي أنت بتحبها؟! يعني لو أنقص من عندك حاجة لا تحبها، لا يسمى بلاء.. كلمة بلاء في حد ذاتها يبقى لابد في الشيء اللي تحبه.
ثم تساءل الشاب: أعمل إيه في حالة لو البلاء زاد عليا، أو ما قدرتش أتحمله؟

وأجابه الشيخ جمعة: "فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون"، لما سيدنا يعقوب سرقوا منه ابنه، سيدنا يوسف، وراحوا رموه في البير، وجاءوا على قميصه بدم كذب، فقال: "بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبرٌ جميلٌ".. متى يكون الصبر جميلا؟ عندما لا يكون فيه تبرمٌ، عندما لا يكون فيه انهيار، ولا انتحار، "فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون"، هذا مبدأ نعيش فيه في كل ابتلاء ابتلينا به.

الصبر الجميل

الصبر الجميل من آثاره أيضا أن ربنا بيفرجها علينا، ولذلك في نهاية قصة سيدنا يوسف مع سيدنا يعقوب، رد إليه ابنه، في طول الفترة اللي غاب فيها سيدنا يوسف عن أبيه كان يبكي حتى ابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم، لدرجة أنه مابقاش يشوف من كتر البكاء فكوني أحزن وأبكي لا ينقض الصبر.. كوني أبكي لا ينقض الصبر لأن هذا البلاء أمامه ثواب.. ربنا لا يجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا.. لو كانت الدنيا ملهاش آخرة كنا لا نصبر، نصبر ليه؟!! لكن الدنيا لها آخرة، والإيمان باليوم الآخر ركن من أركان الإيمان.. في اليوم الآخر نرجع إلى ربنا، ويرى: أنا ابتليتك وأنت صبرت ورضيت، إذن لك الجنة، فيها ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر.. أنت لم تصبر فليس لك عندنا شيء، ده خسر الدنيا والآخرة.. في الدنيا حرمنا ممما أحب وأحتاج إليه، وفي الآخرة لم آخذ الثواب لأنني تحامقت وسخطت ولم أرضَ.
هذا الكلام لابد أن يكون واضحا لدينا أن الرضا هو حقيقة الصبر، صبر يعني إيه؟ مش أنك لا تبكي، مش أننا لا نحزن.. واحدة فقدت ابنها لا يمكن أن تسيطر على قلبها.. ها تحزن، ولا يمكن أن تنساه، ولكن فيه رضا وتسليم.. أمرنا لله، ربنا يجعل هذا الابن الذي فقدناه يأخذ بيدها ويدخلها الجنة، خاصة أم الشهيد، بني آدم يسير على الأرض من أهل الجنة قطعا.. نقول: أنا أريد أن أرى أهل الجنة في الأرض، انظر إلى أم الشهيد.. يبقى ده معنى جليل جدا في قضية الابتلاء، وهو الصبر اللي فيه الرضا والتسليم.

النجاح في الحياة هل معناه أن الله راضٍ عنا؟

وسألت فتاة: لو أنا شخصية ناجحة في حياتي، وحياتي ماشية بالطريقة اللي أنا مخططاها، هل ده بيدل على رضا ربنا، سبحانه وتعالى، عليا؟ ولو العكس، مثلا ساقطة ومش محققة أحلامي هل ده بيدل على سخط ربنا وغضبه عليا؟

وأجاب جمعة: ليس هناك علاقة بين المقدرات وبين غضب الله ورضاه، رضا الله وغضبه مرتبط بالأعمال.. هل أنا أطعته فيما أمر؟ ربنا أمرنا بدرجات مختلفة من الأوامر، أمرنا بالواجبات والمحرمات، ده المستوى الأول.. قال لي: صلِّي، صومْ، زكي، حج، اشهد شهادتين.. قال لي: لا تسرق، لا تقتل، لا تكذب، لا تشهد شهادة الزور، وهكذا، فأنا امتنعت عن هذا وفعلت هذا، فأنا الآن في بحبوحة من فضل الله، سبحانه وتعالى، حتى أنه جاء رجل أعرابي إلى سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأعرابي معناها أنه سيعود إلى الصحراء ومش هاييجي يتعلم، وكان الصحابة لا يكثرون السؤال لسيدنا النبي: "لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم"، فكانوا ينتظرون الأعرابي العاقل، الذي يسأل السؤال المضبوط، وياخدوا الإجابة علشان يسمعوها ويتعلموا.. ما عليَّ؟ فقال له: تصوم وتصلي وتزكي وتحج.. قال: والله لا أزيد عليها ولا أنقص، فقال: أفلح وأبيه إن صدق.. لو الراجل ده صدق وتمسك بهذا يبقى الحمد لله عملنا المستوى الأول.
فيه مستوى تاني.. الأوامر كثيرة والنواهي كثيرة، لو عملناها يبقى فيها تقوى.
فيه مستوى تالت: النوافل والسنن وعمل الخير الكتير، وطلب الثواب في كل حاجة، والنهم بذكر الله ليل نهار، وده مش فريضة لكنه له ثواب عند الله.

متى يرضى الله عني؟

الطاعة هي أساس سؤالك: متى يرضى عني الله؟ ومتى يغضب؟ هو يرضى عليا عند الطاعة، والله، سبحانه وتعالى، لا يحب المعصية ولكن يقبل التوبة: "كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون"، في الحديث أن ملك السيئات وهو يكتب علينا السيئات، وملك الحسنات يكتب الحسنات، فإذا فعل أحدنا ذنبا، فإن ملك السيئات لا يكتبها لمدة 6 ساعات.. حديث صحيح، لو أنني خلال الـ6 ساعات استغفرت، أو فعلت خيرا، توضأت، صليت ركعتين.. تصدقت.. قرأت شيئا من القرآن.. تبت إلى الله حتى بقلبي.. كل هذا لا يكتبها ملك السيئات.. وبهذا آتي يوم القيامة ولا أجد عندي هذا الذنب.. أنا فاكر إني عملته، فين هو في الصحيفة؟! مش موجود، لأنه لم يكتب، ولماذا؟! لأنني بادرت بعمل الخير والاستغفار.. بعد 6 ساعات يكتبه، وباب التوبة مفتوح.. كل ابن آدم خطاء، و"خطاء" صيغة مبالغة يعني "كثير الخطأ".. وخير الخطائين التوابون.. "تواب" صيغة مبالغة، يعني كثير التوبة.
ممكن حد يسأل: ما أنا كدة هازهق من نفسي، أخطئ وأتوب، أخطئ وأتوب.. ربنا غفور وواسع وعفو.. ربنا رحمن رحيم، جمال في جمال.. بس المهم التوبة، والرجوع.. لأن التمادي في الخطأ هو الذي يغضب الله، والإصرار على الخطأ، والتكبر في شأن الخطأ يغضب الله.

إبليس طلع كداب ومغفل

لما إبليس لم يسجد لآدم، معصية.. "سجدوا لآدم"، ماسجدش.. ربنا ما أخدهوش كدة على طول، ده سأله، وهو أعلم به، ربنا يعلم ذات الصدور، يعلم السر وأخفى، تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك: إبليس؛ انت ليه ما سجدتش؟ دي فرصة ربانية لأن إبليس يقول له: أنا ما أخدتش بالي، وهو كداب.. لكن المغفل ما قالش بسبب الكبر اللي في قلبه.. هنا يغضب الله، سبحانه وتعالى، فربنا مش بيغضب بسهولة على هذا المخلوق الذي أحبه وأسجد له الملائكة.. هذا الحب أصيل.
لما آجي واقول: أنا عايز أعرف إذا كان ربنا غضب عليا وللا لأ؟ نمرة واحد: وفقك للصلاة والصوم.. وفقني، يبقى مش غضبان عليكي.. لقيتي روحك معندكيش مانع من العبادة؟ نعم.. إذن انتي مرضي عنك.. الغضب ييجي من الكبر، من الكراهية، من النية الشريرة للإفساد في الأرض.. لأذية خلق الله.. لما يكون عندي كدة يبقى ربنا غضب.. لما يكون عندي رضا وتسليم ولو الحد الأدنى، ولما يكون عندي مبادرة.. أما أنني لا أخطئ.. مش ممكن، كل ابن آدم خطاء.. لا أنا ولا أنت ولا هي، ولا النهاردة، ولا العصر اللي فات، ولا العصور السابقة، والقرون الفائتة.. كل ابن آدم خطاء.. إنما لها منفذ، لها باب لا يغلق..
هو ربنا لما يبتليني يبقى غضبان عليا؟ لا، بيمتحنا علشان يظهر الصبر فينا.. وده فايدته إيه؟ إنه هايديني الثواب يوم القيامة.. وافرض ما صبرتش؟ مش هايدلك الثواب يوم القيامة، يبقى هنا فيه بلاء وحرمان من الحاجة اللي محتاجينها، وفي نفس الوقت مفيش ثواب.
العاقل خصيم نفسه، يعني يفكر مع نفسه: أنا لازم أصبر؛ لأن الصبر ده ها يقوي شكيمتي، وفي نفس الوقت له ثواب يوم القيامة، والثوابات دي ما حدش يتخيلها.

هل الأوبئة والكوارث انتقام من الله؟

سأل شاب: ربنا ذكر في القرآن أنه أغرق قوم نوح، وقوم فرعون، فهل الأوبئة والكوارث اللي بتحصل حاليا، برضه انتقام من ربنا؟
ورد الدكتور علي جمعة: هي علامات حتى يتذكر الإنسان قضية العقوبة.. هي علامات بلا شك.. ليست المسألة انتقاما من الإنسان، بل تذكير للإنسان، قال تعالى: "ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون".. إذن الفايدة من أنه يورينا الكوارث والمصايب والابتلاءات، أننا نفوق ونتذكره، مش أنه ينتقم منا.. لو ابتلى بلد بشيء لعله يريد أن يعلي شأنها، مش ضروري يكون من أجل الانتقام.. قد يكون من معاصيهم غضب الله عليه فدمرهم تدميرا.. كل ما حدث للأقوام السابقة كان عقوبة من الله تعالى، لبغيهم وكفرهم وظلمهم.. "كانوا هم أظلم وأطغى".. لما يشيع الظلم فتأتي وراءه عقوبة يبقى ربنا بينتقم منهم.
إنما لما يكون أهل بلد وجاءتهم كوارث يبقى ربنا بيختبرهم، إذن مفيش ربط ما بين المعصية والطغيان وبين نزول البلاء، لأنه قد يكون من أجل هذا الظلم، وقد يكون من أجل إخراج الصبر من الناس الكويسين.
البلاء قد ينزل للمعصية، وقد ينزل للترقي.

العذاب العام، هل ما زال موجودا؟

وسأله أحد الطلاب: العذاب اللي كان في الأقوام السابقة كان نصرة لنبي، وعذاب للكفار، هل زمن العذاب انتهى، وللا لسة موجود؟


وكانت إجابة الدكتور جمعة: لسة موجود، ولكن الهلاك العام انتهى.. وده نص حديث عن سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، أن الله بعد إرسال النبي انتهى الهلاك العام، زي نوح هلكت الأرض ومن فيها إلا بتوع السفينة.. ده انتهى.

 

ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.

تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا

الجريدة الرسمية