ليلاف… حين ترسم الروح بملمس الضوء..رؤية بقلم إلهامي المليجي

تُعد الفنانة الكردية ليلاف واحدة من الأسماء اللافتة في المشهد التشكيلي المعاصر، بما تملكه من حسّ مرهف، وتجربة متفردة في الرسم والنحت. وُلدت في قلب الجغرافيا الكردية، وتفتّحت موهبتها في ظل بيئة ثقافية غنية بالصراعات والأسئلة، وهو ما انعكس في أعمالها التي تتأرجح بين الحنين والتمرّد، وبين الحلم والانغماس في تفاصيل الجسد والروح. تنتمي ليلاف إلى جيل من الفنانين الذين لا يكتفون بإنتاج الجمال، بل يسائلونه، ويجعلون من كل لوحة فرصة لاكتشاف الذات والآخر والعالم.
ليلاف ليست مجرد فنانة تشكيلية، بل هي حالة شعورية تتجسد في خطوط وألوان، امرأة تُمسك بالفرشاة وكأنها تُمسك بنبض الحياة، وتدعونا عبر لوحاتها إلى تأمل لا ينتهي. في أعمالها، لا نواجه فقط صورة، بل نُفاجأ بمرآة… تعكس ما في دواخلنا، وتقول لنا ما لا نملك الجرأة أن نقوله.
بين البورتريه والرؤيا
في كثير من لوحاتها، تحضر الوجوه كأنها تتكلم، تحدّق بنا لا لنعرف ملامحها، بل لنقرأ انكساراتها، انتظارها، ضعفها القوي، أو قوتها الضعيفة. لا تعيد ليلاف إنتاج الوجه كنسخة عن الواقع، بل ككائن حيّ ينبض في قلب اللوحة. الخطوط ليست حدودًا، بل جداول مشاعر.
في لوحة "العين المتأملة"، على سبيل المثال، تبدو الملامح ساكنة لكن نظرة العين تحمل طبقات من الألم والتحدي. هي ليست نظرة بورتريه تقليدي، بل نافذة إلى داخل الذات. وكأن كل لوحة وجه، وكل وجه رواية صامتة.
النحت في اللوحة
حتى في الأعمال التي تميل نحو الواقعية، نجد أن الظلّ واللون يعاملان كما لو كانا أدوات نحت لا طلاء، كأن الفنانة تُشكّل اللوحة كما تُشكّل الطين بيديها. وهذا ليس غريبًا على ليلاف التي مارست النحت أيضًا، مما يضفي على أعمالها بُعدًا مجسمًا حتى حين تكون على سطح ورقي.
ونلحظ هذا بوضوح في أحد أعمالها النحتية التي تصوّر رأس حصان بحجم واقعي، يفيض بالهدوء والقوة. هذا الحسّ النحتي ذاته يتسلل إلى لوحاتها، لا سيما تلك التي تظهر فيها المرأة في وضعية ملتفة، كتكوين نحتي يتعامل مع الضوء والظل ككتل ملموسة.

الطفولة والقطط والخيول… ورموز أخرى
في بعض أعمالها نلحظ حضورًا للقطط والخيول، بملامح فيها شيء من التباس البراءة بالحكمة، أو الوحشة بالطمأنينة. كما تحضر الطفولة لا بوصفها عمرًا، بل كحالة فنية: مزيج من فضول وألم، من دهشة ومن حذر.
القطط في أعمال ليلاف ليست مجرد كائنات لطيفة، بل رموز للحدس والغموض، بينما الخيول تجسيد للحرية المكبوتة والاندفاع النبيل. أما الطفولة، فهي الحضور الأكثر شاعرية، كما في لوحة الطفل المتأمل، التي يبدو فيها الحزن أعمق من سنوات العمر.
عندما يتكلم اللون
ليلاف لا تستخدم اللون لتغطية المساحات، بل لتكشف بها المساحات الخفية فينا. هناك لوحات تبعث دفء الغروب، وأخرى تومض ببرد الفجر. وكأنها لا ترسم فقط بما ترى، بل بما تحس. إن استعمالها للدرجات اللونية، خاصة في الظل والإضاءة، يجعل من كل لوحة مشهدًا سينمائيًا صغيرًا، نكاد نسمع فيه الهمس أو الصمت.
الفن بوصفه تأملًا لا استعراضًا
ما يميز تجربة ليلاف أن لوحتها لا تُستهلك سريعًا. تحتاج إلى التأمل. بل إن المتلقي يعود إليها أكثر من مرة، ليكتشف في كل عودة ملمحًا جديدًا أو ظلًا خفيًا. وحتى تعليقاتها على اللوحات ليست شروحات، بل مفاتيح. تُنير الطريق، دون أن تُقيده.
ليلاف… تشبه لوحاتها
وأخيرًا، في حضورها على إنستغرام، نراها كما لوحاتها: هادئة، عميقة، بلا زينة لفظية ولا استعراض أجوف. تبدو منصتها هناك امتدادًا طبيعيًا لريشتها، حيث تقول القليل، لكنه كثير.
في كثير من لوحاتها، يمكن أن نلمح ما يشبه "اللمسة الكردية"، سواء من خلال الملامح، أو الألوان الترابية، أو الروح التي لا تنكسر رغم الحزن. هي لا تعلن هويتها، لكنها تسرّبها في تفاصيل دقيقة، توحي ولا تصرّح، كما تفعل الريشة حين تتكلم بلغة لا تعرفها الكلمات.
ليلاف لا تكتفي بأن ترسم… بل تُنصت لما تقوله اللوحة قبل أن تكتمل. ولهذا، حين ننظر إلى أعمالها، نشعر أنها لم تُرسم لنا، بل رُسمنا نحن فيها.
كأن ريشتها تعرف الطريق إلى مناطق لا يصلها الضوء، فتلمسها برفق، وتترك أثرًا لا يُمحى. هناك، في قلب السكون، تولد ألوانها، لا من علبة طلاء… بل من حنين، من حيرة، من شغف، من سؤال بلا جواب.
ليلاف، في النهاية، ليست فقط من ترسم اللوحة، بل من توقظ فينا الرغبة في أن نُصبح لوحة.
عن الفنانة
ليلاف شَاهيِن فنانة تشكيلية كردية، تجمع بين الرسم والنحت، وتحمل في أعمالها ملامح من الهوية الكردية ممزوجة بتجربة إنسانية شاملة. وُلدت في بيئة ثقافية متشابكة، ما منحها حسًّا بصريًا خاصًا يجعلها تُصغي للعالم بريشتها أكثر مما تكتبه بالكلمات. شاركت في معارض فنية داخلية، وتُعرض أعمالها على حسابها الفني في إنستغرام (leelav.art)، حيث تواصل رسم عوالمها المتفردة، وتبني تدريجيًا مدوّنتها البصرية الخاصة.
—
*المقال مستوحى من تجربة بصرية وتأملات ذاتية في أعمال الفنانة الكردية ليلاف، كما ظهرت على حسابها الفني. leelav.art
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.
تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا