مواطنون من ذهب
لم أبك منذ رحيل ابني "أمجد" مثلما بكيت أمام الموكب المهيب لشهدائنا في سيناء، ولم أر في حياتي شعبا متديِّنًا يؤمن بقضاء الله وقدره مثلما رأيت من أسرهم الذين ثبتهم الله على كلمة الحمد، وأنا الذى جزعت نفسي بمجرد الاطلاع على التفاصيل الدنيئة لعملية الاغتيال اللا إنسانية، وأنا الذي انكسرت أمام تفاصيل بساطة أهالينا من عائلات الضحايا جاءني -مثل ملايين المصريين- صوت ذلك الأب الذى قال: "ليس هذا شهيدي الأول كان ابني الأكبر شهيدا أيضا"، وأضاف بثبات نظنه جزءا من يقين طرحه الله في قلبه: "نموت جميعا وتحيا مصر".
هكذا كان الأب الذى فقد ابنه الثاني سندا لي ولكل مصري جزعت نفسه أو انكسرت أمام بشاعة الجريمة، هكذا كان هذا الأب قويا، صامدا، هادئا، وديعا، حامدا، شاكرا غير عابئ بقساوتهم، "الحمد لله ونحتسبه عند الله من الشهداء".. هكذا ختم أقوى رسالة إنسانية سرت في بدني مسرى الدم.
والآن هل نام محمد البلتاجي ليلته هانئا بما فعله رفاقه بشباب في عمر الزهور؟ وهل نامت عيون محمد مرسي الذي أعلن النفير العام في خطابه الأخير بعدما رأى أولادنا يطرحون على الأرض وتصوب على رءوسهم رصاصات الغدر والخيانة؟ هل اطمأن محمد بديع الآن إلى أنه يحكم تنظيما لا يعرف لله طريقا ويصنع مجده بأيدي الشياطين؟ هل هذا ما وعدنا صفوت حجازي أمام الدم والإرهاب والقتل والدمار؟
من تابع كيف استقبلت أسر ضحايانا الخبر الصاعقة يدرك أن هؤلاء هم المسلمون الحقيقيون، الذين ربّوا أولادنا على حب الوطن، ويدركون المعنى الحقيقي للإيمان ويعرفون الله الذي لا يعرفه بديع أو الشاطر أو الحسيني أو غيرهم من هؤلاء الذين أساءوا إلى رسالات الله في الأرض.
إن جريمة الإخوان في سيناء لا يشابهها إلا جرائم الإسرائيليين ضد قواتنا عام ١٩٦٧ م من قتل للأسرى، وبنفس الطريقة التي فعلتها قوات الإخوان في سيناء.. هكذا ينكشف بوضوح حجم التآمر والخسة والهمجية، وكذا تنكشف المجموعة القيمية الحاكمة لتنظيم الجماعة الإرهابية، وكذا نرى وبوضوح بشائر النصر بادية في معنويات المصريين البسطاء الذين فقدوا أبناءهم؛ لندرك أن الفارق بيننا وبينهم هو أن رجالنا من ذهب ورجالهم من خسة، وهكذا يصبح كل متحدث عن حوار أو وفاق خائن لدماء أبطالنا من الشهداء.