رئيس التحرير
عصام كامل

مع الزاهدين، إبراهيم بن أدهم

إبراهيم بن أدهم،
إبراهيم بن أدهم، فيتو

أحد علماء أهل السنة والجماعة، ومن أعلام التصوف السني في القرن الثاني الهجري، من أهل بلْخ في أفغانستان.
القدوة الإمام العارف، سيد الزهاد. ولد حوالي سنة 100 من الهجرة.

سيرته في الزهد والتصوف كانت ولا تزال مثالًا نادرًا في التاريخ الإسلامي كله، بسبب خوفه الشديد من الله وتقربه منه، سبحانه وتعالى، بسيرة طاهرة، قل أن توجد إلا بين العبّاد العظام.. لذلك عاشت على مر الأزمان زادًا لكل الراغبين في الزهد عن الدنيا والتقرب إلى ما عند الله في الآخرة.

قالوا عنه

قال النسائي: هو ثقة مأمون، أحد الزهاد. 
وعن الفضل بن موسى، قال: حج والد إبراهيم بن أدهم وزوجته، فولدت له إبراهيم بمكة.
وعن يونس البلخي قال: كان إبراهيم بن أدهم من الأشراف، وكان أبوه كثير المال والخدم، والمراكب والجنائب (دابة يقودها صاحبها إلى جنبه)، والبزاة (نوع من الثياب). 
فبينا إبراهيم في الصيد على فرسه يركضه، إذا هو بصوت من فوقه: يا إبراهيم: ما هذا العبث؟! أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا؟! اتق الله، عليك بالزاد ليوم الفاقة. 
فنزل عن دابته، ورفض الدنيا. 

توبة ابن أدهم

وحكى قصته، قال: كان أبي من الملوك المياسير، وحبب إلينا الصيد، فركبت، فثار أرنب أو ثعلب، فحركت فرسي، فسمعت نداءً من ورائي: ليس لذا خلقت، ولا بذا أمرت. فوقفت أنظر يمنة ويسرة، فلم أر أحدا، فقلت: لعن الله إبليس، ثم حركت فرسي، فأسمع نداء أجهر من ذلك: يا إبراهيم! ليس لذا خلقت، ولا بذا أمرت، فوقفت أنظر فلا أرى أحدا، فقلت: لعن الله إبليس، فأسمع نداء من قربوس سرجي (الجزء المرتفع من سرج الحصان) بذاك، فقلت: أنبهت (فهمت)، أنبهت، جاءني نذير، والله لا عصيت الله بعد يومي ما عصمني الله، فرجعت إلى أهلي، فخليت فرسي، ثم جئت إلى رعاة لأبي، فأخذت جبة كساء، وألقيت ثيابي إليه، ثم أقبلت إلى العراق، فعملت بها أياما، فلم يصفُ لي منها الحلال، فقيل لي: عليك بالشام، فذكر حكاية نطارته الرُّمَّان، وقال الخادم له: أنت تأكل فاكهتنا، ولا تعرف الحلو من الحامض؟ قلت: والله ما ذقتُها. 
فقال: أتراك لو أنك إبراهيم بن أدهم، فانصرف، فلما كان من الغد، ذكر صفتي في المسجد، فعرفني بعض الناس، فجاء الخادم ومعه عنق (جماعة) من الناس، فاختفيت خلف الشجر، والناس داخلون، فاختلطت معهم وأنا هارب.
وكان يقول: من أراد التوبة، فليخرج من المظالم، وليدع مخالطة الناس، وإلا لم ينل ما يريد.
وحكى إبراهيم: رآني ابن عجلان، فاستقبل القبلة ساجدا، وقال: سجدت لله شكرا حين رأيتك.

موعظة

ذات مرة أقبل رجل إلى إبراهيم بن أدهم.. فقال: يا شيخ! إن نفسي تدفعني إلى المعاصي فعظني موعظة؟

فقال له: إذا دعتك نفسك إلى معصية الله فاعصه.. ولا بأس عليك، ولكن لي إليك خمسة شروط، قال الرجل:

هاتها، قال إبراهيم بن أدهم: إذا أردت أن تعصي الله فاختبئ في مكان لا يراك الله فيه! فقال الرجل: سبحان الله.. كيف أختفي عنه.. وهو لا تخفى عليه خافية!

فقال إبراهيم بن أدهم: سبحان الله.. أما تستحي أن تعصي الله وهو يراك.. فسكت الرجل. ثم قال: زدني!

فقال إبراهيم: إذا أردت أن تعصي الله فلا تعصه فوق أرضه. فقال الرجل: سبحان الله.. وأين أذهب.. وكل ما في الكون له!

فقال إبراهيم: أما تستحي أن تعصي الله.. وتسكن فوق أرضه؟! قال الرجل: زدني!

فقال إبراهيم بن ادهم: إذا أردت أن تعصي الله.. فلا تأكل من رزقه. فقال الرجل: سبحان الله.. وكيف أعيش.. وكل النعم من عنده!

فقال إبراهيم: أما تستحي أن تعصي الله.. وهو يطعمك ويسقيك ويحفظ عليك قوتك؟! قال الرجل: زدني! 

فقال إبراهيم بن أدهم: فإذا عصيت الله.. ثم جاءتك الملائكة لتسوقك إلى النار فلا تذهب معهم!

فقال الرجل: سبحان الله.. وهل لي قوة عليهم.. إنما يسوقونني سوقًا!

فقال إبراهيم بن أدهم: فإذا قرأت ذنوبك في صحيفتك.. فأنكر أن تكون فعلتها! فقال الرجل: سبحان الله.. فأين الكرام الكاتبون.. والملائكة الحافظون.. والشهود الناطقون.

ثم بكى الرجل ومضى.. وهو يقول: أين الكرام الكاتبون.. والملائكة الحافظون.. والشهود الناطقون.

مسجد إبراهيم بن أدهم، فيتو
مسجد إبراهيم بن أدهم، فيتو

شبيه إبراهيم الخليل

وقال سفيان الثوري عنه: كان إبراهيم بن أدهم يشبه إبراهيم الخليل، ولو كان في الصحابة، لكان رجلا فاضلا.
قال بشر الحافي: ما أعرف عالما إلا وقد أكل بدينه، إلا وهيب بن الورد، وإبراهيم بن أدهم، ويوسف بن أسباط، وسلما الخواص.
قال خلف بن تميم: سألتُ إبراهيم: منذ كم قدمت الشام؟ قال: منذ أربع وعشرين سنة، ما جئتُ لرباط ولا لجهادٍ، جئت لأشبع من خبز الحلال.
وعن إبراهيم، قال: الزهد فرضٌ، وهو الزهد في الحرام. وزهد سلامة، وهو: الزهد في الشبهات. وزهد فضل، وهو: الزهد في الحلال
وروى يحيى بن عثمان البغدادي، حكاية أخرى عنه: كنا مع إبراهيم في البحر، فهاجت ريح، واضطربت السفينة، وبكوا، فقلنا: يا أبا إسحاق! ما ترى؟ فقال: يا حي حين لا حي، ويا حي قبل كل حي، ويا حي بعد كل حي، يا حي، يا قيوم، يا محسن، يا مجمل! قد أريتنا قدرتك، فأرنا عفوك. فهدأت السفينة من ساعته.
وكان ابن أدهم إذا جلس على طعام طيب، قدم إلى أصحابه، وقنع بالخبز والزيتون.

ملبسه

وكان يلبس فروا بلا قميص، وفي الصيف شقتين بأربعة دراهم: إزار ورداء، ويصوم في الحضر والسفر، ولا ينام الليل، وكان يتفكر، ويقبض أصحابه أجرته، فلا يمسها بيده، ويقول: كلوا بها شهواتكم.
وكان سفيان الثوري إذا قعد مع إبراهيم بن أدهم، تحرز (احترس) من الكلام. 
وكان إبراهيم بن أدهم يقول: ما صدق الله عبدٌ أحبَّ الشهرة.
ويقول: رحم الله من أهدى إليَّ عيوبي، ولا يكن معجبا بنفسه، لا يشعر بعيوبها، بل لا يشعر أنه لا يشعر، فإذا هذا داء مزمن.

ومن مأثوراته

- لو أن مؤمنا، مستكمل الإيمان، يهز الجبل لتحرك، فتحرك أبو قبيس، فقال: اسكن، ليس إياك أردت.
- لفقر مخزون في السماء، يعدل الشهادة عند الله، لا يعطيه إلا لمن أحبّه. 
- قلّة الحرص والطمع تورث الصدق والورع، وكثرة الحرص والطمع تكثر الهم والجزع.
- كل ملك لا يكون عادلا، فهو واللص سواء، وكل عالم لا يكون تقيًّا، فهو والذئب سواءٌ، وكل من ذل لغير الله، فهو والكلب سواء.

- "ما لنا نشكو فقرنا إلى مثلنا ولا نسأل كشفه من ربنا".

قال له رجلٌ: "إني لا أقدر على قيام الليل فصف لي دواء". فقال: "لا تعصه بالنهار وهو يقيمك بين يديه في الليل، فإن وقوفك بين يديه في الليل من أعظم الشرف، والعاصي لا يستحق ذلك الشرف".

ضريح ابن أدهم، فيتو
ضريح ابن أدهم، فيتو

- قال له أهل البصرة: يا إبراهيم بن أدهم! "ما بالنا ندعو فلا يستجاب لنا، والله تعالى يقول: "وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ". فقال: «يا أهل البصرة قد ماتت قلوبكم بعشرة أشياء: عرفتم الله ولم تؤدوا حقه. قرأتم القرآن ولم تعملوا به. ادعيتم حب الرسول صلى الله عليه وسلم وتركتم سنته. ادعيتم عداوة الشيطان وأطعتموه. ادعيتم دخول الجنة ولم تعملوا لها. ادعيتم النجاة من النار ورميتم فيها أنفسكم. قلتم الموت حق ولم تستعدوا له. اشتغلتم بعيوب الناس ولم تنشغلوا بعيوبكم. دفنتم الأموات ولم تعتبروا. أكلتم نعمة الله ولم تشكروه عليها".

الفقراء.. هم الملوك

وروى ابن بشار: أمسينا مع إبراهيم ليلة، ليس لنا ما نفطر عليه، فقال: يا ابن بشار! ماذا أنعم الله على الفقراء والمساكين من النعيم والراحة، لا يسألهم يوم القيامة عن زكاة، ولا حج، ولا صدقة، ولا صلة رحم! لا تغتم، فرزق الله سيأتيك، نحن، والله، الملوك الأغنياء، تعجلنا الراحة، لا نبالي على أي حال كنا إذا أطعنا الله. 
ثم قام إلى صلاته، وقمت إلى صلاتي، فإذا برجل قد جاء بثمانية أرغفة، وتمر كثير، فوضعه، فقال: كل يا مغموم. فدخل سائل، فأعطاه ثلاثة أرغفة مع تمر، وأعطاني ثلاثة، وأكل رغيفين. 
وروي أن إبراهيم بن أدهم حصد ليلة ما يحصده عشرة، فأخذ أجرته دينارا (فقط).

وفاته

توفّي ابن أدهم عام 162هـ، في إحدى الجزر الواقعة بالبحر الأبيض المتوسّط.


ورد في بعض الروايات أنّه استُشهد خلال محاربته للبيزنطيين، ويشار إلى أنّه تمّ دفنه في مدينة جبلة السورية الساحلية، وقد تحوّل قبره إلى مزار.
وذُكِر في معجم البلدان أنّ إبراهيم بن أدهم تُوفي في حصن سوقين الواقع في بلد الروم، وأنّه تمّ تشييد مسجدٍ مكان وفاته أُطلق عليه اسم "جامع السلطان إبراهيم".
 

ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.

تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا

الجريدة الرسمية