ذكريات "77" تفضح بلادة "الفقراء" فى مواجهة أسعار "الإخوان".. الشيمى: كثرة الاعتصامات والاحتجاجات أصابت المصريين بالممل.. جمعة: عصر السادات أكثر حرية من حكم "الجماعة".. فرغلى: ضعف القوى السياسية السبب
حالة من الدهشة أصابت خبراء السياسية والصحة النفسية بعدما فوجئوا برد فعل يكاد يكون سلبيًّا من جانب المصريين تجاه قرارات الرئيس محمد مرسى بزيادة الضرائب على 52 سلعة قبل أسابع، مقارنة بردة الفعل نفسها التى خرجت قبل 36 عامًا عندما ثار المصريون على قرارات الرئيس الأسبق أنور السادات والمعروفة بأحداث 17 و18 يناير عام 1977 حينما قرر رفع الدعم عن 25 سلعة بمعدلات لا تقارن إطلاقًا بالأسعار الآن، حيث أرجع علماء النفس تلك البلادة التى قابل بها المواطنون قرار مرسى إلى حالة الملل من تكرار الاعتصامات والاحتجاجات التى شهدها الشارع المصرى خلال العامين الأخيرين عقب ثورة 25 يناير، بينما أرجعها آخرون إلى أن النخبة السياسية منشغلة الآن بحالة الصراع على السلطة سواء بمعركة الدستور أو الانتخابات، وهو ما جعلها غافلة عن معركة الأسعار.
فمن جانبها أكدت الدكتورة داليا الشيمى الخبيرة النفسية، أن الأحداث الكثيرة التى تمر بها مصر من حوادث قطارات إلى حالة عدم الاستقرار السياسى والانفلات الأمنى، جعلت الشعب المصرى مسلوب الإرادة تنتابه مشاعر من التبلد، لذا لم يثور أو يخرج معترضًا على قرار الرئيس محمد مرسى برفع سعر ضريبة المبيعات على نحو 50 سلعة.
وقالت الشيمى، إن هناك أسبابًا كثيرة وراء عدم احتجاج المواطنين عقب هذا القرار، أهمها أن الشعب أجهد من كثرة الاحتجاجات والمظاهرات ولم يعد لدية مبرر لا يحتج عليه، ففى خلال الفترة الماضية ثار الناس على كاريكاتير وعلى الأداء الإعلامى وعلى تطبيق الشريعة، وعلى انخفاض الرواتب والتثبيت.. وعندما جاء سبب مهم للاحتجاج ضاع وسط الاحتجاجات الكثيرة.
وأضافت أن من ضمن أسباب عدم غضب الناس لهذه الزيادة فى الأسعار، أن الحقيقية ضاعت وسط كم كبير من الشائعات نتلقاه يوميًّا، خصوصًا أن كثيرًا منه يتم نفيه أو الرجوع عنه، ومن ثم لم يعد لدينا مبرر للغضب المفاجئ كما حدث فى أحداث 18 يونيو 1977.
وأشارت الشيمى إلى أنه عندما يكون هناك يقين بارتفاع الأسعار يصل للسلع الرئيسية يجهد كاهل محدودى الدخل، سيتحرك الجميع من أجل لقمة العيش.
من جانبه أوضح الدكتور إلهامى عبد العزيز أستاذ الصحة النفسية بجامعة عين شمس، أن غضب المصريين على ارتفاع الأسعار فى يناير 1977 جاء بعد فترة هدوء سياسى وثبات فى الأسعار، وعندما صدر قرار السادات برفع أسعار 25 سلعة ثار الشعب وانتفض رافضًا هذه القرارات.
وقال عبد العزيز إن ارتفاع سعر ضريبة المبيعات على نحو 50 سلعة جاء فى أعقاب ثورة وغضب مستمرَّين من المصريين على الأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية التى تعيشها مصر الآن.
وأضاف عبد العزيز "الثورة مستمرة وكل يوم لدينا مليونيات ومئات الألوف معترضون على الأجور والبطالة والدستور وغيرها من الأسباب، وجاء ارتفاع الأسعار جزءًا من كل هذه الأحداث، فظهر المشهد وكأن الشعب لم يتأثر بهذه الزيادة"، لافتًا الانتباه إلى أنه ربما تكون زيادة الأسعار غير ملموسة حتى الآن.
وأشار أستاذ الصحة النفسية إلى أن الطبقة المتوسطة فى المجتمع هى قاطرة التغيير، وهذه الطبقة تعانى من ارتفاع الأسعار منذ سنوات كثيرة، بعكس الطبقات الفقيرة التى تعوَّدت على تبرعات الجمعيات الأهلية والزكاة وبالتالى لم تشعر بارتفاع الأسعار.
ويقول الدكتور نعمان جمعة رئيس حزب الوفد الأسبق، إن شرارة صغيرة تنطلق من مخبز أو حادثة قطار أو تعطل مترو الأنفاق، ربما تكون السبب فى إنهاء حكم الإخوان، موضحًا أنه لا يوجد مقياس أو ترمومتر لقياس رد فعل الشعوب حول الأحداث المتشابهة.
ولفت جمعة إلى أن الشعوب صعبة الفهم وصعب التكهن بموعد ثوراتها وغضبها، وتختلف من حال إلى حال ومن وقت إلى وقت حسب الأجواء المحيطة، فحريق 26 يناير كان السبب فى اندلاع ثورة 1952، وارتفاع أسعار 25 سلعة كان السبب فى انتفاضة 77.
وأرجع رئيس حزب الوفد الأسبق، عدم خروج المصريين فى مظاهرات لرفض ارتفاع سعر ضريبة المبيعات على نحو 50 سلعة كما حدث فى السبعينيات، إلى كم الحرية التى أعطاها السادات للشعب المصرى، مشيرًا إلى أن حكم السادات كان أقل إحكامًا وسيطرة عما يحدث الآن.
وقال جمعة، "وقتها كانت هناك منابر دينية وسياسية تعارض السادات من خلال حركات سياسية قوية، فعلى الرغم من أن مظاهرات 77 لم يكن لها قائد، فإن الناس انفجرت بشكل لم يشهده التاريخ من قبل، وهذا هو حال الشعب المصرى لا تعرف قدرته على على التحمل".
وقال جمعة "كاذب مَن يدَّعى سيطرته على الناس، أو قدرته على قيادة الجماهير، فشعب مكون من 90 مليون نسمة انفاعلاتهم مختلفة وقدرتهم على التحمل تختلف من شخص إلى آخر".
وأرجع البدرى فرغلى عضو مجلس الشعب الأسبق، السبب إلى ضعف القوى السياسية والنقابية والطلابية اليوم، موضحًا أنها فى فترة السبعينيات كانت فى منتهى القوة، استطاعت أن تتوحد وترد بقوة على زيادة الأسعار.
وقال فرغلى إن هذه القوة كانت مسيطرة على الشارع المصرى وقتها، فحين تحركت تحرك معها الشعب كله فى 17 محافظة مصرية.