معنى «اجترحوا السيئات»، تفسير الشيخ محمد سيد طنطاوي للآية 21 بسورة الجاثية
سورة الجاثية، في تفسيره الوسيط، أكد الشيخ محمد سيد طنطاوي، عدم استواء أصحاب الذنوب المعاصي بالذين آمنوا وعملوا الصالحات، موضحًا معنى اجترحوا السيئات في الآية الكريمة.
سورة الجاثية الآية 21
قال تعالى: «أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ ۚ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ».
تفسير الشيخ محمد سيد طنطاوي للآية 21 من سورة الجاثية
قال الشيخ محمد سيد طنطاوي: وأَمْ، في قوله- تعالى-: «أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ»
منقطعة، وتقدر ببل والهمزة، وما فيها من معنى بل للانتقال من البيان الأول إلى الثاني، والهمزة لإنكار الحسبان، والاجتراح: الاكتساب، ومنه الجارحة للأعضاء التي يكتسب بها كالأيدي، ويقال: فلان جارحة أهله، أي: هو الذي يكتسب لهم أرزاقهم، وحسب: فعل ماض، والذين فاعله، وجملة «أَنْ نَجْعَلَهُمْ»، ساد مسد المفعولين.
هل يستوي أصحاب المعاصي بالمؤمنين؟
وأضاف الشيخ طنطاوي: والمعنى: بل أحسب الذين اكتسبوا ما يسوء من الكفر والمعاصي، أن نجعلهم متساوين مع الذين آمنوا وعملوا الأعمال الصالحات في دار الدنيا أو في الدار الآخرة؟ كلا!! لا يستوون فيهما، فإن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يحيون في الدنيا حياة طيبة لا مكان فيها للهموم والأحقاد والإحن ببركة إيمانهم، وفي الآخرة ينالون رضا الله- تعالى- وحسن ثوابه، أما الذين اجترحوا السيئات فهم في شقاء في الدنيا وفي الآخرة، قال الشوكانى قرأ الجمهور سَواءً بالرفع على أنه خبر مقدم. والمبتدأ محياهم ومماتهم. والمعنى إنكار حسبانهم أن محياهم ومماتهم سواء، وقرأ حمزة والكسائي وحفص سَواءً بالنصب على أنه حال من الضمير المستتر في الجار والمجرور في قوله: «كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ» أو على أنه مفعول ثان لحسب.
وواصل طنطاوي: وقوله: «ساءَ ما يَحْكُمُونَ»، أي بئس حكما حكمهم هذا الذي زعموا فيه تسويتنا بين الذين اجترحوا السيئات، والذين آمنوا وعملوا الصالحات، فالمقصود بهذه الجملة الكريمة، توبيخهم على أحكامهم الباطلة، وأفكارهم الفاسدة، قال الآلوسى: قوله: «ساءَ ما يَحْكُمُونَ»، أي: ساء حكمهم هذا، وهو الحكم بالتساوي، فما مصدرية، والكلام إخبار عن قبح حكمهم المعهود، ويجوز أن يكون لإنشاء ذمهم على أن ساءَ بمعنى بئس، فتكون كلمة ما نكرة موصوفة، وقعت تمييزًا مفسرًا لضمير الفاعل المبهم والمخصوص بالذم محذوف أي: بئس شيئًا حكموا به ذلك.