بدون تدخل السيسي المباشر تغيب العدالة وتضيع الفرص
ما زالت مصر تعاني من البيروقراطية والروتين، ليس فقط بين الحكومة والمواطن، بل بين الجهات الحكومية وبعضها البعض. وفي خضم هذا التعنت تخسر مصر الكثير من الفرص الاستثمارية. بتاريخ 14 أغسطس الماضي تقدمت بطلب على بوابة الشكاوى الحكومية التابعة لمجلس الوزراء، بمقترح عام وليس شكوى شخصية، بصفتي مواطن من آحاد الناس وذلك بشأن تطوير المستشفى المركزي بمدينة السادات بمحافظة المنوفية.
وقدمت مقترحًا بضم المخبز الآلي المتوقف والمعطل للمستشفى، والذي تبلغ مساحته ثلاثة أضعاف مساحة المستشفى، ويقع الاثنان في موقع استراتيجي في قلب مدينة السادات.
وفي 3 نوفمبر الجاري جاءني رد على منصة بوابة الشكاوى الحكومية من هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة نصه هو "نحيط سيادتكم علمًا بأنه قد صدر قرار استرداد لقطعة الأرض بنشاط مخبز آلي ولم يتم تنفيذه حتى تاريخه، كما نحيطكم علمًا بأنه قد تم تخصيص قطعة أرض لبناء مستشفى مركزي بالمحور المركزي".
بعد قراءتي لهذا الرد الرسمي الصريح الوافي استنتجت منه الحقائق التالية:
1- أن هيئة المجتمعات قامت بكامل دورها على أكمل وجه في طلب استرداد ذلك المخبز الخَرِب المعطل بمساحته الشاسعة، ولكن شركة المطاحن تجاهلت الطلب، لتظل هذه الأرض ذات القيمة الاستثمارية الهائلة بهذا الوضع المزري دون تحقيق استفادة عامة أو استثمارية منها.
2- أن شركة المطاحن تسببت في لجوء هيئة المجتمعات إلى بديل أكثر تكلفة وهو تخصيص قطعة أرض جديدة في منطقة بعيدة عن وسط المدينة، مع تكبيد الدولة نفقات التكاليف الإنشائية للمبنى الجديد من الصفر. وكان هناك بديل أقل وأكثر جدوى للحكومة والمواطن من خلال ترميم المستشفى القديم وتوسعتها من خلال ضم أرض المخبز القديم.
3- أن التعنت والبيروقراطية الحكومية تحدث بين مؤسسات الدولة كما تحدث مع الأفراد والجهات الحكومية.
4- أن المسئولين آثروا السلامة في الاستسلام للتعنت وخصصوا قطعة أرض جديدة.
قضية أخرى ظهرت على مواقع التواصل الاجتماعي وفي بعض الصحف والمواقع الإخبارية وهي تضرر وتذمر وغضب أعضاء هيئة التدريس المعارين من فرض المجلس الأعلى للجامعات رسومًا على تجديد إجازات المعارين من العام السادس حتى العاشر بواقع (2000 – 3000 دولار أمريكي) سنويًا وبواقع (3000 – 5000 دولار أمريكي) سنويًّا لمد الإجازة لمن يتجاوز الـ 10 سنوات.
أعضاء هيئة التدريس المعارين هم أحد قوة مصر الناعمة في الخارج، ولهم من التأثير الفكري والاقتصادي الإيجابي على مصر. وهم على استعداد لبذل ما هو أكثر من تلك المبالغ المطلوبة طالما في مستوى استطاعتهم في ظل مستوى دخولهم في الخارج وفي ظل غلاء المعيشة ومصروفات تعليم أبنائهم في الخارج أو داخل مصر في الجامعات.
لقد شعر أعضاء هيئة التدريس الجامعات الحكومية بغضاضة في أنفسهم عندما وجدوا أنفسهم الفئة الوحيدة من المصريين في الخارج التي تم استهدافها بهذا القرار، مما جعلهم يشعرون بأنهم الحيطة المايلة. فكثير من العاملين في القطاع الحكومي وقطاع الأعمال العام يشغلون وظائف رفيعة وبرواتب أضعاف أستاذ الجامعة لم تفرض عليهم جهات عملهم سداد تلك المبالغ.
في الوقت الذي أعلنت فيه السيدة السفيرة/ سها ناشد - وزير الهجرة السابقة منذ عام عن تدشين منصة إلكترونية موحدة لتجديد إجازات جميع المصريين بالخارج من العاملين بكافة الوزارات والهيئات الحكومية في مصر وقطاع الأعمال العام، وبرسوم متساوية على الكل، وتابعة لجهة مركزية واحدة.
تدعيمًا لقرار مجلس الوزراء بفتح باب الإعارات والإجازات دعمًا للاقتصاد القومي من خلال تحويلات العاملين بالخارج. فوجئ أساتذة الجامعات بتجاهل مشروع الوزيرة السابقة، وفرض الرسوم المذكورة أعلاه من المجلس الأعلى للجامعات.
في حين لو تم تنفيذ مشروع المنصة الموحدة برسوم أقل على جميع الفئات الوظيفية لكانت الحصيلة الإجمالية للدولة أعلى من الحصيلة المقررة على أساتذة الجامعة فقط، الذين أبدوا غضبهم وامتعاضهم منذ إعلان القرار وحتى الآن على كافة وسائل التواصل الاجتماعي.
توجد في الدولة المصرية كوادر وعقول محترفة في التعامل مع المصريين بالخارج، على رأسهم السادة مسئولي بيت الوطن بهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، والسيدة السفيرة/ سها ناشد وزير الهجرة السابقة التي تركت فراغًا كبيرًا وفجوة بخروجها من الوزارة بعد دمجها مع الخارجية.
هؤلاء الكوادر هم عقول لا تُكَهَّن ولهم قبول شعبي في أوساط المغتربين، ومتواصلون على كافة منصات التواصل الاجتماعية مع جميع المصريين بالخارج، وقادرون على الإقناع والتفاوض واقتناص الفرص، وتغيير المسار وتصحيح الخطأ وخير مثال لذلك مبادرة السيارات الأولى والثانية، والتي نجحت نجاحًا منقطع النظير بعد رصد اعتراض المغتربين ونقل آرائهم ومقترحاتهم للحكومة ومن ثم تلبيتها. لذا وجب الاستفادة منهم جميعًا، وإشراكهم في مسائل وقضايا المغتربين حتى وإن كانت تبدو ظاهريًا خارج نطاق عملهم.
لذا أقترح الآتي بصفتي أحد المغتربين في الخارج بشكل عام وأحد أعضاء هيئة التدريس بشكل خاص:
1- تفعيل مشروع المنصة الموحدة لتجديد إجازات العاملين بالخارج والذي قدمته وزير الهجرة السابقة بالتعاون مع وزارة الاتصالات ووافق عليه مجلس الوزراء.
2- سداد مبلغ معتدل ومرضي ومعقول على جميع العاملين بالخارج الراغبين في تجديد إجازاتهم من جهات عملهم في مصر.
3- إشراك ممثلين عن العاملين بالخارج في اللجان الحكومية في الوزارات وفي مجلس الوزارات التي تشكل من أجل وضع قرارات أو مشروعات قوانين تخص المغتربين.
4- بالنسبة لرسوم تجديد الإجازات يتم تخيير المغترب بين بديلين:
البديل الأول: تقديم كشف حساب من حسابه البنكي في الخارج عن 12 شهر مضت موضحًا به راتبه الإجمالي ونفقاته ومسحوباته الشهرية (نفقاته في بلد الإقامة + تحويلاته في مصر) ولا سيما أن الدفع الإلكتروني في المشتريات هو السائد خارج مصر.
وبناءً عليه يمكن تقدير متوسط الإنفاق السنوي على السلع والخدمات ومعرفة متوسط الادخار، وفرض نسبة عما يدخره فقط كرسوم تجديد إجازاته.
البديل الثاني: سداد المبلغ الثابت الذي تقرره الدولة على جميع العاملين بالخارج، بغض النظر عن أقدميته في الغربة.. وبذلك يقوم المغترب باختيار البديل الأنفع له، وتكون الدولة تحرت العدالة والدقة في تقدير القيمة الواجب سدادها.
5- وضع شريحة أعلى تحت مسمى "باقات حفظ الوظيفة" من سنتين وحتى خمس سنوات. وتكون برسوم أعلى من الرسوم السابقة للتجديد السنوي. وبذلك يدفع المغترب مبلغ أكبر لأكثر من سنة مقدمًا.
6- إعطاء المغترب مسدد هذه الرسوم امتيازات داخل مصر في أوقات إجازته مثل تأمين طبي مميز.
7- إشراك وزارة المالية في هذا الأمر بشكل مباشر، وأن يتم التفعيل والسداد عن طريق وزارة المالية.
هذا الملف الشائك أضعه بين يدي الرئيس السيسي، لخطورة هذا الملف وأهميته. فالرئيس السيسي هو وحده القادر على إحقاق العدالة بين أبناء الاسرة الواحدة.. وهو وحده القادر على اختيار الشخصيات الوطنية ذات الخبرة في هذا الشأن والتي يهمها الصالح العام والمواءمة بين حقوق المغترب وحق الدولة دون إفراط أو تفريط، ودون المتاجرة بالمغتربين والمزايدة على وطنيتهم. وهو الوحيد الذي ليس له مآرب خاصة أو شخصية عندما يقرر أمرًا ما يخص المواطن.