رئيس التحرير
عصام كامل

الدستور يا اسيادنا


منذ عامين، كتبت مقالا أيام معركة الدستور أولا بعنوان دستور يا أسيادنا، تحدثت فيه عن أهمية وضع الدستور أولا قبل أي انتخابات برلمانية أو رئاسية، تذكرون طبعا أن الذي كان يريد الدستور ثانيا؛ هم جماعة الإخوان المسلمين والجماعات السلفية وسائر التيارات التي تسمي نفسها إسلامية، لم تطل المعركة ذلك الوقت فسرعان ما تراجع التيار المدني عن طلبه وأعلن بسذاجة أنه مع أن يكون الدستور أولا أو ثانيا، وكذلك فعل شباب الثورة، المهم التخلص من الحكم الانتقالي واعتبر الجميع جماعة الإخوان المسلمين فصيلا وطنيا. وكان ما كان بعد ذلك من استفراد هذا الفصيل الوطني بأمور البلاد ومحاولة إخضاعها كلها لأجندته وأفكاره وإنكار أي وجود للأحزاب الأخرى، بل للشعب نفسه ما دام من خارج جماعة الإخوان الطائفية. هذه المرة استخدم العنوان نفسه القديم لكن معرفا من "دستور يا أسيادنا" إلى "الدستور يا أسيادنا "لأنه لا فرصة ثانية لنا.. دستور حقيقي وإلا فوضى عارمة.


الآن عادت الأمور بعد تجربة صعبة، وعامين ونصف العام من التخبط بعد ثورة يناير 2011. وعام من حكم الإخوان، عادت الأمور إلى طبيعتها. وها هي لجنة تكونت لتعديل الدستور ولجنة تكون الآن من خمسين فردا لدراسة التعديلات والوصول بالدستور إلى وضعه الصحيح. 

لهذه اللجنة التي تتكون من خمسين فردا أحب أن أقول إنه يجب أن يوضع في الاعتبار أنه ليس معنى كونك ممثلا لتيار معين أو مهنة أو فئة عمرية أنك تعمل في الدستور لصالح تيارك السياسي أو حزبك ورؤيته أو مهنتك أو عمرك أو نوعك، ذكرا أو أنثى. الدستور وثيقة مبادئ عامة للحياة توضع ليس على ما هو قائم في المجتمع الآن، ولكن على ما يجب أن يكون عليه في المستقبل. أي توضع للمستقبل بحيث لا يتم تعديلها كل حين. الدستور وثيقة تتجاوز الأهداف المؤقتة للأحزاب والتيارات إلى الأهداف الكبرى للبشرية على الإطلاق. لذلك حين يكون الحديث عن الحرية يكون على إطلاقه غير مقيد بقيود. وكذلك عن الكرامة والمساواة. ومن ثم تنتهي إلى الأبد عبارات من نوع "إلا ما ينظمه القانون" لأنها تكون مدخلا لصياغة قوانين تحد من الحرية والكرامة، والمفروض أن هناك قوانين للعقوبات على الجرائم هذا عملها ولا حاجة لتقييد المادة الدستورية بأي إشارة من هذا النوع. وكذلك الأمر في القيم والأخلاق والهوية لا توضع عليه ولا لها تأكيدات لأنها جانب من مبدأ الحرية على إطلاقها، والهوية والقيم والأخلاق تتغير على مراحل التاريخ. ليس هناك ثبات في هذه الأمور. والذين يؤكدون على الحفاظ عليها في الدستور يريدون للمجتمع ألا يتحرك للأمام ويظل في مكانه، رغم ما يبدو في كلامهم من حرص على المجتمع.

الدستور للمستقبل. ومصر مثلا عام 1923 لم تكن أكثر تقدما مما هي عليه الآن. كانت الأمية أكثر والفقر والجهل، وكان الاستعمار يكبل البلاد، لكن الذين وضعوا دستور 1923 كانوا يعرفون الشوط الكبير الذي قطعته البشرية في الحرية والمساواة فلم يقفوا عند النظام الاقتصادي أو الاجتماعي القائم في المجتمع المصري الذي كان الإقطاع فيه له اليد الطولى. ولم يعد أحد فوق المراقبة النيابية. هكذا تفعل الدول في العالم والذين وضعوا الدستور كانوا متعلمين مثقفين يعرفون ماذا يحدث في العالم وكيف تقدمت الأمم.

مصر الآن في مفترق طرق. لقد حاولت القوى الرجعية التي ترفع شعار الدين عمل دستورها الرجعي الذي يجعل الشعب المصري يدور في حلقة مفرغة ولا يتقدم في التاريخ، وأدى دستورها إلى هذا الانقسام ثم الثورة في المجتمع على هؤلاء القوم المتخلفين. جاءت الفرصة لعمل دستور يفك أسر البلاد من أي معايير للقيم والأخلاق فالشعب يصنع قيمه وأخلاقه. ومن أي تمييز ديني، ومن أي تمييز طبقي أو كما يقال سيادي لوزارات ما أو جماعات ما، جيش أو بوليس أو دبلوماسية أو قضاة. لو حدث هذا، وأملي كبير أن يحدث، صار دستورنا طريقا حقيقيا للمستقبل.
ibrahimabdelmeguid@hotmail.com
نقلا عن جريدة فيتو
الجريدة الرسمية