السفير «العرابي»: مصر انتقلت لـ« الجهاد الأكبر» بعد فض «رابعة».. ضعف العرب اقتصاديا مفيد لتركيا.. جنوب أفريقيا ونيجيريا تحاولان إبعاد مصر عن «مجلس الأمن».. حل &
انتقد السفير محمد العرابي وزير الخارجية المصري الأسبق، رئيس حزب المؤتمر، اليوم الأحد، الدعوات الخاصة لمجلس الأمن للانعقاد لمناقشة ما يحدث في مصر.
وقال في حوار لـ«الشرق الأوسط»، إن «هذه سذاجة سياسية لأن مجلس الأمن وفق الميثاق ينعقد لبحث موضوعات وقضايا تهدد الأمن والسلم الدوليين».
وشدد على أن مواقف واشنطن وتركيا وغيرهما من الدول يرتبط بمشاريع كانت لها مع جماعة الإخوان وفشلت وكشفها الشعب المصري بصحوته يوم 30 يونيو.
ولفت العرابي إلى أن جماعة الإخوان أصبح رصيدها صفرا، وأنهم أصبحوا غير مقبولين في الشارع المصري نتيجة الزج بعمليات عنف مسلح في عموم مصر. وقال إن ما اتخذته الحكومة المصرية هو قرار سيادي لحفظ السلم والأمن.
كما تحدث عما بعد فض الاعتصام ومستقبل العملية السياسية في مصر ودور الأحزاب ومستقبل حزب الحرية والعدالة.. وهنا نص الحوار:
* كيف تقرأ التدخل الأجنبي الأخير ودعوة مجلس الأمن إلى التدخل؟
- ذكرت منذ الشهر الماضي أنه يجب أن نتوقع من الآن حدوث حملة غربية ضد مصر، لأن المفهوم الغربي لعمليات فض الاعتصام أنه لو حصلت خسائر في الأرواح أثناء مواجهة ما بين المدنيين سيكون هذا عملا مدانا، ولكن ما لم نتوقعه أن تصل السذاجة السياسية إلى درجة الدعوة لعقد جلسة لمجلس الأمن لمناقشة الأوضاع في مصر، لأن مجلس الآمن يعقد وفقا لميثاق الأمم المتحدة لمناقشة الموضوعات التي تهدد السلم والأمن الدوليين، وما حدث في مصر لا تنطبق عليه دعوة الانعقاد ولا يهدد تركيا ولا قطر، بل العكس، مصر اتخذت إجراءات سيادية للحفاظ على الأمن والسلم، وعندما يتحقق الاستقرار في مصر فإن هذا يؤدي إلى تعزيز الأمن والسلم للعالم.
وبالتالي من الأفضل ألا تلتفت الحكومة إلى مثل هذه الإجراءات المغرضة أو ردود الفعل المنفعلة والمرتبطة بأجندات شخصية ومشاريع خاصة بكل طرف، وسوف نسير في طريقنا، كما نرى أن اللجوء لمجلس الأمن هو لإصدار بيان تقليدي يعبر عن القلق والدعوة للحوار وليس قرارا ملزما.
* ما تحليلك لهذه المواقف الدولية التي تساند «الإخوان» وتنتقد الحكومة؟
- كل دولة لها أهدافها، فالتدخل الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط أثبت دائما أنه يبدأ ولا ينتهي، بمعنى أنهم لديهم خطة يطلقون عليها هدم الدولة وإعادة بنائها وهم متفوقون في الهدم ولكن ليست لديهم القدرة على البناء الجديد، وما حدث في مصر هو أن مؤسسات الدولة وقفت حائلا أمام هدم الدولة المصرية من خلال حكم الإخوان، لكن الشعب المصري أوقف عملية الهدم، بينما كانت أمريكا تعتزم البناء بأسلوبهم وبما يتلاءم مع الاستراتيجية الأميركية في المنطقة.
بالنسبة لتركيا فقد كانت تنظر لمنطقة الشرق الأوسط على أنها الفناء الخلفي لها، وذلك بعد فشلها في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وبالتالي عندما يكون الشرق الأوسط ضعيفا ومنهكا اقتصاديا يكون مفيدا لتركيا، وهذا ما نشهده في معظم الأسواق العربية من انتشار للمنتجات التركية يقوي من اقتصادها.
الأمر الثاني أن تركيا تخشى من التجربة المصرية، وأن تكون بروفة تنتقل إلى تركيا في ظل وجود سخط شعبي، وأحداث ميدان تقسيم في إسطنبول كانت متشابهة مع الأحداث في مصر وتم فضه بالقوة، حتى الدول الأفريقية لها أهداف عندما قررت تجميد نشاط مصر، بمعنى أن دولتي جنوب أفريقيا ونيجيريا لديهما رغبة في إبعاد مصر عن المشهد الأفريقي، حتى عندما تحصل أفريقيا على مقعد دائم في مجلس الأمن في حال تم توسيعه لا تفوز به مصر، وإنما يكون ما بين الدولتين، وللأسف الدول كلها تعمل من أجل أهدافها الشخصية، وفي النهاية الضحية هو الشعب المصري، وقد وعى هذه المواقف ورفض كل هذه الأوراق بقرار جريء.
* ماذا بعد فض الاعتصام.. وما هو السيناريو المخطط؟
- هذه الفترة هي الأصعب، وكما يقال انتهينا من الجهاد الأصغر وانتقلنا إلى الجهاد الأكبر. فض الاعتصام أعتبره إجراءً قانونيا بوليسيا تم، ونأسف على الخسائر التي وقعت من الجانبين، والفترة القادمة هي الأصعب.
* بمعنى؟
- حدوث أعمال إرهابية منظمة لفترة طويلة، وهذا يتطلب إعادة اللحمة إلى المجتمع المصري وتضامنه وتماسكه، وهذا موضوع في منتهى الصعوبة، كما سيحدث تغيير في الخريطة السياسية بشكل حاد، وهناك تحالفات جديدة سوف تظهر وتحالفات تتفكك وشخصيات تظهر وأخرى سوف تختفي، وبالتالي ما يجري الآن من إعداد لكتابة الدستور هو البداية الأولى التي نخطو بها إلى المستقبل، وأن يكون الدستور محكما يرضى به الجميع ويتجنب أي تمييز لجماعة أو طائفة على حساب الدولة.
* حزب المؤتمر اشترك في لجنة الخمسين لوضع الدستور؟
- صحيح، رشحنا الدكتور صلاح حسب الله، وكل ما يهمنا أن الدستور الجديد يكون وثيقة للسلام الاجتماعي، والدستور الماضي كان وثيقة أضاعت السلام الاجتماعي وتقسيم الأمة، ومن ثم هناك أعباء مضاعفة على الدولة للفترة التأسيسية.
* هل ستتم كتابة الدستور من جديد أم تعديل المواد المختلف عليها أثناء ولاية مرسي؟
- أقول للحقيقة لا يوجد شيء اسمه كتابة دستور من جديد، لأننا سنضع نفس البنود التي كانت موجودة، وبالتالي ما لدينا سيضاف إليه بعض الكلمات والإصرار على الوصول إلى وثيقة تؤسس لسلام اجتماعي، أما حكاية كتابة من جديد فإنها أكيد سوف تأخذ نصوصا مما وضع من قبل.
* كيف تنتهي حالة الاحتقان في الشارع المصري «من مع من» و«من ضد من»؟
- هذا هو المدخل لتحقيق الاستقرار. وأرى أن الفترة القادمة يجب أن تشهد حلا لجماعة الإخوان وحلا لحزب الحرية والعدالة بتركيبته الحالية، ومصادرة لأموال الحزب والجماعة، وأن يأخذ شباب الصف الثاني القيادة لبناء الحزب من جديد، وأن يعودوا بشروط المجتمع المصري مع كتابة وثيقة لنبذ العنف والإرهاب، وأن يعالج الدستور موضوع الأحزاب بمعنى تحجيم تأسيس أي أحزاب على أساس ديني، وهذا يتطلب موافقة من الجميع، مع التوضيح بأننا لسنا ضد التدين وسوف ستظل مصر متدينة قبل وبعد «الإخوان»، لكنهم للآسف لعبوا بهذه الكلمات وانضم إليهم مواطنون صححوا مواقفهم مع صحوة 30 يونيو الماضي، وقد ذكرت هذا في حواراتي مع الأميركان وقلت لو أن مصر انتظرت حتى انتهاء فترة مرسي لكانت البلاد انتهت وتراجعت بشكل شديد، ومن ثم كانت الصحوة الشعبية بشكل غير مسبوق في 30 يونيو.
* كيف ترى دعوة وزير الخارجية القطري في اليوم الثاني لفض الاعتصام بأنه لا بد من الإفراج عن مرسي وجماعته وإعطاء فرصة للحوار والحل السياسي؟
- انتهت الفرص وأصبحت خارج الزمن، وإذا كان الدكتور مرسي يستحق منصب رئيس الجمهورية ورجل دولة وطنيا كان عليه أن يوقف بمبادرة منه كل التداعيات التي حدثت ويحقن الدماء بتخليه عن السلطة طواعية، خاصة عندما يرى أن شعبه يقتتل، لكنه لم يصل إلى هذا المستوى من المسؤولية ويعيش في زمن آخر. وبذلك هو يثبت للجميع أنه لا يمكن أن يكون رئيسا لمصر.
* دور الأحزاب انحسر في إصدار البيانات ولم تتحمل مسؤولية ما يحدث في مصر ولم تقم بدورها في المجتمع وربما ليست لديها القدرة على فرز قيادات منتخبة خلال المرحلة المقبلة؟
- العمل الحزبي في مصر ما زال يعمل بشكل غير مؤسسي، والاستثناء الوحيد من هذا هو حزب الوفد. الأحزاب الأخرى قامت على الأفراد وشخصيات يلتف حولها المواطنون، وبالتالي نحتاج لأحزاب تكون لها مؤسسة واستراتيجية، ولا بد من مراعاة البعد الاجتماعي لأن الناس تعبوا من الكلام في السياسة فقط، ولذا من المهم التركيز على احتياجات المواطنين اليومية، على سبيل المثال نفكر في حزب المؤتمر لوضع مفهوم جديد للأحزاب بحيث يكون الحزب موجودا دائما بغض النظر عن الشخصيات والأفراد. وسوف نناقش الأسبوع المقبل خطة استراتيجية لسياسات الحزب خلال الفترة المقبلة، ولدي بعض الأفكار أن الحزب يجب أن يركز على مجاميع معينة، منها الشباب، والمرأة، والأقباط، والقبائل العربية.. هؤلاء يعدون نسيجا اجتماعيا مهما ومؤثرا.
كما أفكر في تأسيس لجان متخصصة للحزب، مثلا لجنة للحفاظ على التراث (الفرعوني والقبطي والإسلامي والحديث) وأيضا لجنة للسياحة ولجنة للبيئة ولجنة للتخطيط الاستراتيجي لمصر لعام 2030، وسوف نضع دراسات في هذا الشأن، وأخيرا سوف نؤسس لجنة للإعاقة، وبالتالي نعطي رسالة للمواطن بأن الحزب ليس مجرد إصدار بيانات.
* هل تعتقد أن هذا كاف، وأين الوجود في المحافظات والقرى والنجوع كما كانت تفعل الجماعة؟
- نفكر في الوجود في المحافظات، وقد بدأنا بالفعل في محافظة الشرقية ثم الإسكندرية حتى يتم الانتشار في كل المحافظات، ولكن ما يهمنا التأكيد عليه هو أن العمل السياسي في مصر أصبح مكلفا جدا من الناحية المادية، وهنا أستغرب من ظاهرة حجم الأحزاب الموجودة في مصر، وأرى أنه من الأفضل دمج كل هذه الأحزاب حتى يكون لها ثقلها المؤثر، خاصة المتقاربة في الأهداف، وهذه ستكون إحدى سمات الحياة السياسية في مصر، وكما هو معروف فإن حزب المؤتمر كان معتمدا على شخصية مهمة مثل عمرو موسى، وهو قد ترك لنا مسؤولية كبيرة، ومثلا من الأفكار التي أتبناها أن يحتوى الدستور على إلغاء مجلس الشورى ويحل مكانه مجلس للشباب.
* الدولة تفكر في تأسيس مفوضية للشباب؟
- ما أطرحه هو مجلس شورى للشباب لإعداد قيادات من الشباب وزعماء من الشباب للدولة، لأن تسكين الشباب في مناصب كنائب للوزير أو محافظ هو بذلك دخل في روتين قد يقتله وقد يدخله في فساد، لكن عندما يمارس عمله في البرلمان (الشورى) فهذا يعمق لديه الفكر الديمقراطي.
* كيف قرأت استقالة الدكتور البرادعي؟
- لست مع الوقوف كثيرا أمام هذه الاستقالة، فالرجل جاء إلى مصر وحرك المياه الراكدة قبل 25 يناير، وكلنا نعترف بهذا الدور، ولكن أرى أن الاستقالة في المرحلة الراهنة والظرف الراهن نوع من التخاذل في تحمل المسؤولية خلال فترة دقيقة تمر بها مصر، ولكني ضد الهجوم على شخص الدكتور البرادعي رغم اختلافي معه.
* هل الغرب يستغل استقالة الدكتور البرادعي بشكل خاطئ؟
- الغرب لم ينتظر استقالة الدكتور البرادعي، وهو كدبلوماسي دولي له وضعه، وأعتقد أن الحياة الدبلوماسية في مصر ليست ملائمة مع تكوينه ونظرته للأمور، ونشكره على ما قام به من أجل مصر.. وانتهت القصة عند هذا الحد.
* ماذا عن موقف جبهة الإنقاذ التي كلفته بالمهمة لتحمل المسؤولية؟
- أعتقد أن الدكتور البرادعي لديه من الذكاء والحكمة السياسية ما جعله يشعر بأن دوره انتهى في مصر، وهل بعدما استقال سيعود إلى جبهة الإنقاذ؟
* هل استقال ليعد نفسه للانتخابات الرئاسية؟
- من حقه أن يعد نفسه للترشح، ومن حق المواطنين انتخاب من يرونه مناسبا لحكم مصر.
* إذا تحدثنا عن الانتخابات الرئاسية هناك معارضة غربية لأن يكون الرئيس القادم ذي الخلفية العسكرية؟
- لدي وجهة نظر في موضوع انتخابات الرئاسة، وهي أن كل من خاض التجربة سابقا عليه أن يبتعد عن الانتخابات القادمة، لأن المصريين يحتاجون لزعيم، كما أنني لست ضد ترشح شخصيات لديها خلفية عسكرية.
* كيف ترى نتائج دعوات قيادات الإخوان للخروج في جمعة الغضب أول من أمس، وما سيحث على مدار الفترة المقبلة؟
- أقول لهؤلاء إن رصدهم في المجتمع المصري أصبح صفرا، وسيأتي اليوم الذي تجمعنا فيه أرض واحدة. وبالتالي عليهم مراعاة حق المواطن والوطن، وعليهم الإحساس بالمسؤولية. وأدعوهم للتنحي جانبا لأنهم فشلوا بدليل أنهم أنهوا جماعة الإخوان في عام واحد، بعد كفاح امتد إلى أكثر من 80 عاما، وهذا يثبت أنهم وصلوا إلى مرحلة عالية من الفشل السياسي، وبالتالي عليهم إعادة تقييم دورهم وأن يتركوا الدور للشباب ربما ينجحون في استيعاب متغيرات المجتمع.