رئيس التحرير
عصام كامل

المستقبل يصنعه الماضى


الفيلسوف الفرنسى سارتر يقول "لا يوجد شىء اسمه المستقبل، فالمستقبل هو ما تصنعه أيدينا الآن، هو ما يجرى إعداده فى المطبخ حاليًا"، كلمات حكيمة من فيلسوف كبير، ولتبسيط معناها أقول: هناك رجل يعمل فى مجال الزراعة، ويريد توفير الطعام لأسرته طوال العام من القمح والأرز، فيقوم من الآن بحرث أرضه جيدًا، واختيار أفضل أنواع التقاوى، ثم زراعتها وريّها والعناية بها إلى حين الحصاد.. هذا هو المستقبل (الإنتاج) الذى حصده كان قد زرعه فى الماضى واهتم به.


مثال آخر عملى على أرض الواقع، مشكلة مصر مع دول حوض النيل، لو أننا كنا تعاملنا معها بجدية فى الماضى، ما حدث الذى يحدث الآن، والله أعلم ما الذى يمكن أن يحدث فى المستقبل. هكذا الأمم والشعوب -مع الفارق- مستقبلهم هو ما يتم تجهيزه الآن، والمستقبل لا يحدث فجأة، بل لا بد له من عمل جاد وشاق فى الماضى، حتى تجنى ثماره، ومعظم الدول التى تقدمت وضعت برنامجًا زمنيًّا للخروج من كبوتها، وأغلقت على نفسها وعرفت أن الطريق الوحيد لنهضتها هو التعليم، فاهتمت به وأعطته الأولوية الكبرى، دولة مثل الهند -وهى فى الحقيقة قارة- يذكر لزعيمها نهرو حينما وضع ميزانية ضخمة للتعليم، وكانت الهند أكثر دول العالم فقرًا، هاجمته المعارضة فى البرلمان الهندى، لأن ظروف الدولة الاقتصادية لا تحتمل تخصيص هذه الميزانية الضخمة للتعليم، لكنه تمسَّك بموقفه, وقال قولته الشهيرة "إن الإنفاق على التعليم ترف لا يمكن الاستغناء عنه", أيضًا كوريا الجنوبية عندما خرجت من الحرب الكورية مدمَّرة, عرضت عليها الولايات المتحدة الأمريكية المساعدة الاقتصادية، لكنها رفضت وطلبت فقط من أمريكا أن تعيد بناء معهد العلوم والأبحاث, الذى دمَّرته الحرب.. انظر اليوم إلى وضع كلٍّ من الهند وكوريا الجنوبية بالنسبة إلى العالم، هما من الدول العظمى رغم أنهما بدأتا النهضة بعد مصر، أين نحن منهما الآن..؟ هذا كله بفضل الاهتمام بالتعليم، مقولة سارتر: "المستقبل ما نصنعه الآن"، لو طبقناها على التعليم فى مصر، فسنجد أنفسنا أمام كارثة حقيقية، وهى كارثة بدأت منذ أكثر من عقدين على الأقل، لأن مَن تخرَّج خلال العشرين سنة الماضية، ومن سوف يتخرج خلال العشرين سنة المقبلة، على الأقل معظمهم غير متعلم، هم فقط حاصلون على شهادة لا تسمن ولا تغنى من جوع، بل هناك خطورة على مستقبل البلد, حينما يكون هؤلاء فى مواقع المسئولية, حيث لا تربية ولا تعليم, وكانت هناك خطة مُحكمة لتدمير التعليم فى مصر, تبناها النظام السابق حتى يضمن بقاءه فى الحكم, ثم توريثه لنجله من بعده لأن قيادة شعب جاهل أسهل بكثير من قيادة شعب متعلم.
الخوف أن يتبع الحكام الجدد سياسة السابقين حتى يستمروا أيضًا فى الحكم إلى ما لا نهاية، فأصوات التيار الإسلامى معظمها من المناطق التى تعانى الفقر والجهل والمرض، وحتى اللحظة مطبخ صناعة المستقبل لم تُضأ أنواره، والمختارون من أنصاف المواهب والكفاءات. أما القادرون على صناعة مستقبل مشرق لهذا البلد، بعيدون عن مواقع المسئولية واتخاذ القرار.
egypt1967@yahoo.com

الجريدة الرسمية