اقتصاديون يرسمون ملامح التغيير في «اتفاق الصندوق»..البرنامج لا يتعارض مع برامج الحماية الاجتماعية.. والقاهرة تحتاج المرونة فقط
تقليص إعفاءات القيمة المضافة ومد خطة الدعم 6 أشهر.. أبرز الملامح
فؤاد: برنامج التسعينيات مع مصر من أنجح البرامج فى تاريخ الصندوق
محمود عنبر: الصندوق فشل فى 90 % من الدول
فاجأ الرئيس عبد الفتاح السيسي، الجميع عندما أكد على ضرورة مراجعة الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، إذا كان تطبيق بعض شروطه، سيضع الناس تحت ضغط غير محتمل، وأثارت تصريحات الرئيس العديد من التساؤلات حول مستقبل التعاون مع الصندوق، وهى التساؤلات التى ربما تجيب عنها الأيام المقبلة.
مراجعة صندوق النقد
ومن المقرر أن ينعقد غدًا الأحد مؤتمرا صحفيا بالعاصمة الإدارية الجديدة يجمع الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء كريستالينا جورجييفا، المدير العام لصندوق النقد الدولي، وحسن عبد الله، محافظ البنك المركزي.
بدوره قال الخبير الاقتصادى محمد فؤاد: إنه يتبقى أكثر من عام على إنهاء دعم الطاقة حسب تعهدات مصر لصندوق النقد الدولي، والسعر الحالى مدعوم بأقل من ٣٠٪ بالمعطيات الحالية، ولا تسعير قبل ٦ شهور قادمة، مشيرًا فى الوقت ذاته إلى أن مصر تعهدت بتعديل فى ضريبة القيمة المضافة الشهر القادم، فهل تتراجع عنه؟
وعن شكل المراجعة الواجب على الحكومة أن تجريها مع صندوق النقد الفترة المقبلة يرى الخبير الاقتصادي، أن الموضوع لن يخرج عن ٣ نقاط، هى مراجعة تقليص إعفاءات القيمة المضافة والاستعاضة عنها بالإصلاحات الضريبية، بجانب مد أجل دعم الطاقة ٦ شهور، وطلب زيادة فى شريحة القرض بسبب تدهور دخل قناة السويس..
ويرى “فؤاد” أن تأكيد الصندوق على ضرورة أن تستمر مصر فيما أسمته الإصلاح الاقتصادى عاجلا غير آجل، هو كلام واقعي؛ لأن الخطاب الرسمى مستمر فى تعويل الأزمات على: كورونا، حرب أوكرانيا، والآن حرب غزة، مشيرًا إلى أن أثر الأحداث كبير، لكن سياسة مصر الاقتصادية ليست بمعزل أيضا عن الأزمة، فالتوسع فى الإنفاق والاستدانة ضاعف من آثار الأزمات الخارجية بشكل كبير، وجعل اقتصادنا كالطائرة الورقية أكثر تاثرا بالرياح العاتية؛ ولذا فالإصلاحات المالية والنقدية والهيكلية لا بديل عنها.
وأضاف فى تصريحات خاصة لـ “فيتو”: إن زيادة دعم برامج الحماية الاجتماعية فى ظل التضخم والأسعار، وزيادة أسعار الخدمات، من خلال تمويل زيادة الرواتب والمعاشات ووخلافه عبر إعادة تخصيص المصروفات، سيكون مفيدًا للاقتصاد الكلى وزيادة القوة الشرائية للمواطنين لمجابهة الأثر السلبى لرفع الدعم، أما لو جاء تمويلها بالاعتماد على الاستدانة سيتسبب فى اتساع عجز الموازنة، وبالتبعية زيادة معدلات التضخم فى البلاد، لذلك يجب الكشف عن آليات تمويل أى حزم جديدة، وأن يتم تمويلها من موارد جديدة،ستطرأ على الموازنة فى قادم الأيام والشهور مثل نتاج الإصلاحات الضريبية الأخيرة، حِينئذٍ سيستفيد من تلك الزيادة المواطن والاقتصاد القومى بحق.
برنامج الصندوق
ويرى “فؤاد”، أن برنامج الصندوق لم يفشل من قبل، مشيرًا إلى أن مصر نفسها خير دليل، إذ كان وما زال برنامج التسعينيات مع مصر من أنجح البرامج فى تاريخ الصندوق، ولكن “الفشل” فى حالتنا الحالية سيكون اختياريا لا إجبارى لعدة أسباب، أولها تعهدات مصر التى نرى الآن صعوباتها وقد وافقنا عليها من قبل، وثانيا أى تغيير فى الاتفاق وارد شريطة أن نتمسك بالإطار العام فى النواحى الـ ٣ الأساسية وهى تنمية الدخل وتقليص الإنفاق، والحفاظ على مرونة الصرف والسيطرة على المعروض النقدي، بجانب الإصلاحات الهيكلية فيما يتعلق بالتنافسية ودور الدولة فى الاقتصاد.
وعن مدى قدرة مصر على اتخاذ قرار بوقف برنامج الصندوق أم لم يعد لديها خيار آخر سوى المضى للنهاية فى تطبيق الشروط، قال “فؤاد” إن الأمر سيكون له تبعات، فدخول مصر فى اتفاق مع الصندوق لم يكن فقط من أجل الحصول على التمويل، بل استهدف فى المقام الأول شهادة دولية تكون بمثابة طمأنة للمؤسسات والدول المانحة على حد سواء، وقد حدث ذلك بالفعل فلقد استتبع الاتفاق الأخير تفاهمات مع الاتحاد الأوروبى والبنك الدولي، ولكن حين تخرج مصر من اتفاقية الصندوق، هل ذلك يمثل ردة عن الإصلاح الاقتصادى فى نظر العالم؟ هذا هو التخوف.
فشل برامج الصندوق
ومن جانبه قال محمود عنبر، أستاذ الاقتصاد بجامعة أسوان: إن مراجعة بسيطة لتاريخ صندوق النقد الدولى وتدخلاته منذ إنشائه عام 1944، يثبت حقيقتين، الأولى أن الأيديولوجية والروشتة العلاجية التى يستخدمها صندوق النقد الدولى فى التعامل مع كافة الدول هى أيديولوجية ثابتة لا تتغير من دولة لأخرى، ولا تتأثر بالظروف الاقتصادية والإقليمية أو على المستوى العالمي، ولكنها عملية ثابتة مجرد أنها تضمن من هذه الدولة أنها قادرة على استرجاع القرض بالفائدة الخاصة به.
وأضاف فى تصريحات خاصة بـ “فيتو”، الحقيقة الثانية هى أن الخبرة التاريخية تقول إن صندوق النقد الدولى فى 90% من الدول التى تدخل فيها بروشتات إصلاحية لم تسفر عن أى نتائج إيجابية، حيث إنه تبنى أيديولوجية فى بداية ستينيات القرن الماضى يطلق عليها برامج التكيف الهيكلى أو برامج التثبيت الهيكلي، والاعتماد على جوانب العرض وليس جوانب الطلب، وهى الأمور التى لها علاقة بالدعم أو علاقة بتخارج الحكومة من الأنشطة الاقتصادية وإفساح فرصة أكبر للقطاع الخاص، أو ما يطلق عليه اقتصاد السوق، كل هذه الأمور زادت الدول الغنية ثراء وزادت الدول الفقيرة فقرًا، ولم تضع أى دولة على خريطة التنمية بشكل أو بآخر، وبالتالى فتصور الرئيس السيسى وطلبه مراجعة الاتفاق مع الصندوق هو أمر جاء فى حينه بشكل كبير.
تفاصيل المراجعة
ومن جانبه قال الخبير الاقتصادى وليد جاب الله، إن الإعلان عن نية الحكومة مراجعة اتفاقها مع صندوق النقد الدولى هو عنوان، ولكن يمكن أن يكون إيجابيًا أو سلبيًا، وذلك يتوقف على طبيعة الإجراءات المطلوب أن يتم مراجعتها مع الصندوق، مشيرًا إلى أنه مع تأكيد صندوق النقد على أهمية التزام مصر بالبرنامج إلا أن الصندوق كان مرنًا فى فترات سابقة مع مصر، وتعديل بعض البنود وتأجيل البعض الآخر، ولكن هذه المرونة التى يبديها الصندوق مرتبطة بألا تخل تلك المرونة بالهيكل الإصلاحى الأساسى للاقتصاد المصري، وهذا يدل على أن بعض البنود يمكن أن تشهد بها مرونة، والبعض الآخر لا يوجد به أى مرونة، حيث توجد إجراءات إذا ما تم تجاوزها سيكون لها تبعات اقتصادية خطيرة.
وأضاف الخبير الاقتصادي، فى تصريح خاص لـ “فيتو”: إن صندوق النقد الدولى لا يعارض أى مجال فى برامج الحماية الاجتماعية للمجتمع إذا ما كانت ضرورية، ولكن تصميم هذه البرامج أن لا يكون لبرامج الحماية الاجتماعية أثر فى زيادة معدلات التضخم وفى الإضرار بهيكل البرنامج الإصلاحى من الأساس، ومن هنا فإن دعوة الرئيس السيسى لمراجعة الإجراءات هى دعوة إيجابية أيضا كونها تعبر عن شعوره بآلام المواطن، ولكن الرئيس لم يعلن أن مصر ستتراجع عن مسارها الإصلاحى الذى سيكون مستداما ومستمرا.
وأوضح أن فكرة أن يكون هناك مراجعة لجداول زمنية بخصوص بعض الإجراءات هذا الأمر هام ولا يجب أن نحمله أكثر مما يحتمل، حيث إن الدولة المصرية ملتزمة بألا تخل إجراءات المراجعة بمسارها الإصلاحي، كما أن صندوق النقد مرن فى مجال المراجعة، مع ضمان أن يكون هناك التزام بالعناصر الأساسية المتعلقة بالبرنامج الإصلاحي، مصر لا تريد أن توقف تعاونها مع الصندوق ولا تريد أن تبتعد عنه، ولكنها تريد مرونة تتناسب مع طبيعة المرحلة، وهى مستمرة فى مسارها الإصلاحى رغم التحديات.