"الاقتصادات العربية" فى مقدمة ضحايا "الأزمة الأوروبية" (2 )
استكمالاً لما بدأناه فى الحلقة الأولى.. حول تداعيات الأزمة المالية الأوروبية، وتأثيرها على الاقتصادات العربية، والتى تأتى بدورها فى مقدمة اقتصادات العالم المتأثرة بهذه الأزمة.
فعلى صعيد فرص العمل للأيدى العاملة العربية فى أوروبا وتحويلاتهم المالية إلى أهاليهم وبلدانهم.. فقد تأثرت أيضاً بسبب هذه الأزمة التى لم تساعد فى التخفيف من مستويات البطالة للعمالة العربية، كما أنها لم تساعد فى استمرار المستوى نفسه من التحويلات المالية للدول العربية المصدرة للعمالة إلى أوروبا.
بالنسبة لبلدان عربية مثل تونس والمغرب.. فإن حوالى %90 من تحويلات عمالتهما فى الخارج تأتى من أوروبا، لذلك فإن الأوضاع الاقتصادية فى أوروبا تمثل أهمية كبيرة فى ما يتعلق بإيرادات بعض الدول العربية المصدرة للعمالة.
ولا شك أن الأزمة المالية الأوروبية، قد أثرت أيضاً فى مستوى المساعدات المالية التى تقدمها المجموعة الأوروبية لبعض الدول العربية، خاصة فى هذه المرحلة التى تمر فيها بعض الدول العربية بتحولات سياسية أدّت إلى تزايد احتياجاتها المالية، نظراً لتأثر إيراداتها المعتادة، خاصة من السياحة والاستثمار، وكذلك نظراً لتزايد الأعباء المالية المترتبة على التوجه نحو تحقيق عدالة اجتماعية ومساعدة فئات المجتمع الفقيرة.
لابد أن أذكر بهذه المناسبة أن الدول الأوروبية قد أعربت عن تعاطف كبير مع الدول العربية التى تمر بتحولات سياسية، وأبدت استعدادها لتوفير بعض المساعدات المالية، وأود فى هذا الصدد أن أشير بشكل خاص إلى شراكة دوفييل، التى أعربت فيها الدول والمؤسسات الأوروبية، بالإضافة إلى مؤسسات المجتمع الدولى عن رغبتها فى مساعدة دول الربيع العربى، لكننى أود أن أقول فى الوقت نفسه إن مساعى شراكة دوفييل بالرغم من النوايا الحسنة التى عبّرت عنها، إلا أنه وحسبما يبدو لم تترجم هذه المساعى إلى مساعدات ملموسة، بل على العكس، حيث خلقت مساعى شراكة دوفييل توقعات عالية لم يتم حتى الآن التمكن من الوفاء بها، حيث إنه عند بداية هذه المساعى فى مدينة دوفييل بشمال فرنسا أعرب المشاركون عن استعدادهم لتقديم مساعدات بمبلغ 25 مليار دولار لدول الربيع العربى، بعدها وفى مدينة مرسيليا فى سبتمبر 2011 ارتفع الرقم إلى 38 مليار دولار، الأمر الذى رفع معه سقف التوقعات لدى دول الربيع العربى.
إلا أنه بعد مرور فترة زمنية ليست بالقصيرة على هذه الوعود من دون أن تتحصل دول الربيع العربى على أى من هذه المبالغ الموعودة، فإن هذا الوضع قد أدى إلى التشكيك فى جدية شراكة دوفييل، كما أدى هذا الوضع إلى نوع من الإحباط وخيبة الأمل لدى دول الربيع العربى التى لم تحصل على مساعدات هى فى أشد الحاجة لها فى هذه الظروف الصعبة.
وسواء تعلق الأمر بتداعيات الأزمة المالية الأوروبية أو تعلق الأمر بالتحولات السياسية فى دول الربيع العربى، فإن العلاقات الاقتصادية العربية الأوروبية تحتاج حسبما يبدو إلى إعطائها أهمية أكبر، حتى تتمكن الأطراف المعنية فى كل من الدول العربية والمجموعة الأوروبية من القيام بالدور اللازم للارتقاء بهذه العلاقات إلى مستويات تتناسب أكثر مع حجم المصالح المشتركة والإمكانات الكبيرة، التى يمكن توظيفها لخدمة اقتصاديات كل من المجموعة الأوروبية والعربية على حد سواء.
ونستطيع بذلك القول إن هناك مصالح مشتركة بين أوروبا والعالم العربى، الأمر الذى يفسر أن انتعاش وازدهار الاقتصاد الأوروبى هو فى مصلحتنا، كذلك فإن تدهور الأوضاع الاقتصادية فى أوروبا له تأثيرات سلبية على اقتصادياتنا، أى بما يعنى أن مصالحنا حسبما يبدو مترابطة وأننا وفقاً، لذلك نمثل تكتلات إقليمية ذات مصالح مشتركة تفترض مزيدا من التعاون والتنسيق.