ما مصير العبد في أول منازل الآخرة، وما أهم أسباب النجاة من عذاب القبر؟
أول منازل الآخرة، جعل الله تعالى القبر برزخًا وفاصلًا بين الدنيا والآخرة، وهو منزل مشترك بين الدارين الدنيا والآخرة، ولقد دلَّت عليه آيات من القرآن الكريم والأحاديث الصحيحة على أنه إما روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النيران.
ما صفات القبر؟
إن القبر عبارة عن حفرة شديدة الضيق يُوضع الميت فيها، ثم يُهال عليه التراب، فلا هواءَ ولا ضياء، ولا فسحة ولا فضاء، ليس معه إلا كفنه وعمله، وحتى الكفن يبلى، وأما العمل فيبقى.
وأنه له ظُلمة شديدة، قال عليه الصلاة والسلام ذلك عندما ماتت المرأة التي كانت تَقُمُّ المسجد في عهده، ففقَدها، فأخبروه أنها ماتت من الليل، ودفنوها، وكرهوا إيقاظه، فطلب من أصحابه أن يَدُلوه على قبرها، فجاء إلى قبرها، فصلى عليها، ثم قال: «إن هذه القبور مليئة ظُلمة على أهلها، وإن الله تعالى منوِّرها لهم بصلاتي عليهم»[متفق عليه].
وإن آخر لمسة يحظى بها الميت هي لمسة من يُوسِّده في لَحْدِهِ، وإن آخر نظرة تُنظر إليه هي نظرة من يضع آخر لبِنَة عليه، ثم ينقطع عن البشر، وينقطع البشر عنه، ولا يجفُّ ماء قبره وقد بقي عنده أحد، يتفرق الجميع، ويذهب الأحبة، ويقابل مصيره وحده، ويتحمل تبعِاتِ عمله بمفرده؛ إن خيرا فخيرٌ، وإن شرًّا فشرٌّ، فيا له من موقف يستحق الوقوف عنده طويلًا، والتفكر فيه مليًّا، والعمل له كثيرًا!
مصير العبد في القبر بالدليل من القرآن والسنة
ودلَّت آيات القرآن الكريم والأحاديث الصحيحة على أن القبر إما روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النيران.
فعن البراء بن عازب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «﴿ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ ﴾ [إبراهيم: 27]، قال: نزلت في عذاب القبر» [رواه الشيخان]
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: ﴿ فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا ﴾ [طه: 124]، قال: عذاب القبر)
وقال تعالى في آل فرعون: ﴿ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَاب ﴾ [غافر: 46]، وقال تعالى: ﴿ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ ﴾ [الأنعام: 93]؛ يعني: في نفس اليوم الذي ماتوا فيه، ومثله قوله تعالى: ﴿ وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ﴾ [الأنفال: 50]
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «مرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على قبرين، فقال: إنهما لَيُعذَّبان وما يُعذَّبانِ في كبير، أما هذا: فكان لا يستتر من بوله، وأما هذا: فكان يمشي بالنميمة...» [رواه البخاري]
وفي حديث البراء المشهور حين يُسئل المؤمن في قبره قال: «فافرشوه من الجنة، وافتحوا له بابًا إلى الجنة، وألبسوه من الجنة، قال: فيأتيه من رَوْحِها وطِيبها، قال: ويفتح له فيه مدَّ بصره»، وقال في الكافر حين يُسئل في قبره: «فافرشوه من النار، وألبسوه من النار، وافتحوا له بابًا إلى النار، قال: فيأتيه من حرِّها وسمومها، قال: ويضيق عليه قبرُه حتى تختلفَ فيه أضلاعه».
وسمع الخليفة الراشد عثمان رضي الله عنه من الأحاديث ما اشتدَّ معه خوفه من القبر، فعن هانئ مولى عثمان رضي الله عنهما قال: «كان عثمان إذا وقف على قبر بكى حتى يبلَّ لحيته، فقيل له: تذكر الجنة والنار فلا تبكي، وتبكي من هذا؟ فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: القبر أول منازل الآخرة، فإن يَنجُ منه، فما بعده أيسر منه، وإن لم يَنجُ منه، فما بعده أشد منه».
وقولَ الرسول صلى الله عليه وسلم عن القبر: «ما رأيتُ منظرًا قط إلا والقبر أفظع منه»، لا إله إلا الله، فمع كثرة المناظر التي رآها رسولنا صلى الله عليه وسلم، إلا أنه يقسم صلى الله عليه وسلم أنه ما رأى منظرًا قط أفظع من القبر.
ولما أخبرت عائشة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عجوزين يهوديتين أخبراها بعذاب القبر، قال صلى الله عليه وسلم: «صدقتا، إنهم يُعذَّبون عذابًا تسمعه البهائم كلها، قالت عائشة: فما رأيته بعد في صلاة إلا تعوَّذ من عذاب القبر» [رواه الشيخان]
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا تشهَّد أحدكم فليستعذ بالله من أربع؛ يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شرِّ فتنة المسيح الدجال» [رواه مسلم].
وقد ثبت في السنة أن للقبر ضغطةً أو ضمَّة على كل ميت؛ ففي الصحيح عن عائشة رضي الله عنها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «للقبرِ ضغطةٌ لو نجا منها أحدٌ لنجا منها سعدُ بنُ معاذٍ».
ومن أحوال أهل القبور أن أماكنهم في الآخرة تُعرَض عليهم وهم في قبورهم؛ ليزداد المنعَّمون فرحًا إلى فرحهم، ويزداد المعذَّبون حسرة على حسرتهم؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن أحدكم إذا مات عُرض عليه مقعده بالغداة والعشي، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار، فيُقال: هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة» [متفق عليه].
أسباب النجاة من عذاب القبر
1.من أسباب النجاة من عذاب القبر الشهادة في سبيل الله، يقول صلى الله عليه وسلم: «إن للشهيد عند الله سبع خصال: أن يغفر له من أول دَفعة من دمه، ويرى مقعده من الجنة، ويحلَّى حُلة الإيمان، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار، الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها، ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، ويشفع في سبعين إنسانًا من أقاربه» [رواه أحمد والطبراني].
لمن أراد النجاة من عذاب القبر، فهناك عدة أمور يمكن أن يفعلها، تجمعها الاستقامة على طاعة الله تعالى، واتباع هديِ رسوله صلى الله عليه وسلم؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾ [فصلت: 30].
2.ومما ينجي من عذاب القبر الاستعاذةُ بالله من عذاب القبر دُبُرَ كل صلاة؛ فقد قال عليه الصلاة والسلام: «إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع؛ يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال».
ومما ينجي من عذاب القبر حفظُ وقراءةُ سورة تبارك؛ فقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: «سورة تبارك هي المانعة من عذاب القبر»، وقال عليه الصلاة والسلام: «إن سورةً من القرآن ثلاثون آيةً شفعت لرجل حتى غُفر له؛ وهي سورة تبارك الذي بيده الملك»، وليس هناك تقييد بقراءتها ليلًا أو نهارًا، وإنما المقصود أن يكون له مزيدُ عناية بها تلاوةً وحفظًا، وفهمًا وتدبرًا وقيامًا بها، لا سيما في صلواته.
3.الدعاء للميت والاستغفار والصدقة عنه ووفاء ديونه، وقضاء ما قصَّر فيه من حج، فإنه له نفع للأحاديث: «كان النبي إذا فرغ من دفن الميت، وقف عليه فقال: استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت، فإنه الآن يسأل»؛ [رواه أبو داود وقال الحاكم صحيح الإسناد].
4. اجتناب الأسباب المؤدية لعذابه؛ كالكذب، والزنا، والربا، وهجر القرآن، والغيبة والنميمة؛ فقد جاء في حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه الطويل وفيه أن المَلَكَ قال للنبي صلى الله عليه وسلم: «أمَّا الذي رأيته يُشقُّ شِدقُه، فكذَّابٌ يحدث بالكَذْبة فتُحمل عنه حتى تبلغ الآفاق؛ فيصنع به إلى يوم القيامة، والذي رأيته يُشدَخ رأسه، فرجلٌ علَّمه الله القرآن فنام عنه بالليل ولم يعمل فيه بالنهار؛ يفعل به إلى يوم القيامة، والذي رأيته في الثَّقْبِ فَهُمُ الزُّناة، والذي رأيته في النهر آكلو الربا».
5. ومن أنفع الأسباب المنجية من عذاب القبر ما قاله الإمام ابن القيم: "أن يجلس الرجل عندما يريد النوم ساعة لله، يحاسب فيها نفسه على ما خسره وربحه في يومه ذاك، ثم يجدد له توبةً نصوحًا بينه وبين الله، فينام على تلك التوبة، ويعزم على ألَّا يعاود الذنب إذا استيقظ، ويفعل هذا كل ليلة، فإن مات من ليلته مات على توبة، وإن استيقظ استيقظ مستقبلًا للعمل، مسرورًا بتأخير أجله؛ ليستدركَ ما فاته"، ثم يقول رحمه الله: "وليس للعبد أنفع من هذه النومة".
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوادث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.