رئيس التحرير
عصام كامل

التاريخ الأسود لإسرائيل ضد لبنان، بيروت تحتضن المقاومة الفلسطينية وتدفع ثمن المواجهة مع تل أبيب، وخبراء: المعارك الآن وجودية

قصف الاحتلال لجنوب
قصف الاحتلال لجنوب لبنان

تصاعدت المواجهات العسكرية وسقطت الخطوط الحمراء، هذا ما يُُمكن وصفه عما تشهده لبنان حاليًا، بسبب ضربات إسرائيل لحزب الله بعد اغتيال أمينه العام السيد حسن نصر الله.


والحقيقة أن صراع لبنان مع إسرائيل لم يبدأ خلال العقدين الماضيين كما يظن البعض، بل هو صراع نشأ مع نشأة الكيان الصهيونى نفسه عام 1948، وخاضت بيروت حروبا عديدة مع تل أبيب، وتعرضت للعديد من العمليات والاجتياحات العسكرية الإسرائيلية سواء الكلية أو الجزئية.


بداية الصراع
بدأ الصراع اللبنانى الإسرائيلى بعد ظهور الكيان المحتل فى 1948، ولجوء  نحو 100 ألف فلسطينى للبنان، ومشاركة بيروت فى الحرب ضد إسرائيل، ثم توقيع اتفاق هدنة بين البلدين فى 1949.
مع استمرار المقاومة الفلسطينية التى تواجدت فى لبنان، وجدت الأخيرة نفسها مشاركة فى حرب مواجهة مع العدو، الذى شن هجمات قوية على مطار بيروت، بذريعة تنفيذ جماعة فلسطينية مقرها لبنان هجوما على طائرة اسرائيلية، وفجرت آنذاك 13 طائرة مدنية على الأرض.


فى 1973، بدأت  إسرائيل أولى عمليات التصفية، واغتالت ثلاثة من القادة البارزين لحركة فتح فى بيروت، لتتزايد المواجهات بين الجماعات الفلسطينية وتل أبيب، وردت المقاومة بعملية كبرى فى تل أبيب أسفرت عن مقتل وإصابة نحو 100 إسرائيلي.


كما شنت إسرائيل عملية عسكرية واسعة فى 1978 استمرت 8 أيام لطرد الفصائل الفلسطينية من المنطقة الحدودية، بعد هجوم مسلح لفلسطينيين قرب تل أبيب، كما دعمت أطراف طائفية محلية داخل بيروت، وأقامت منطقة احتلال صغيرة أطلقت عليها الحزام الأمني، فيما عرف حينها بموقعه الليطانى نسبة إلى نهر الليطاني.


الحرب الأولى


مع نشوب الحرب الأهلية اللبنانية، استغلت إسرائيل الفرصة فغزت بيروت فى 1982، واحتلت القصر الرئاسى وسط عمليات قصف عنيفة لمدة 10 أسابيع، ما أثار ضجة دولية ثم جاء فى نفس العام تأسيس حزب الله لمواجهة الاحتلال، وتوقفت الحرب بتمرير خطة أمريكية لإجلاء الفلسطينيين خارج لبنان بغطاء دولى (فرنسى - إيطالى - أمريكي)


وانسحبت إسرائيل من وسط لبنان، ولكنها احتفظت بمنطقة احتلالية فى الجنوب، وبدأ حزب الله بشن حرب عصابات ضد قوات الاحتلال فى هذه المنطقة.


عملية تصفية الحسابات
بعد انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية، عادت إسرائيل مرة اخرى فى 1993 بعملية عسكرية أطلقت عليها اسم “تصفية الحسابات”، واستمرت 7 أيام، ردا على الهجمات الصاروخية لحزب الله للمستوطنات الشمالية، واستهدفت خلالها مناطق بجنوب لبنان ووسطه وشماله، وصولا إلى ضواحى بيروت.
كما شنت إسرائيل هجوما واسعا فى 1996 استمر 17 يوما على لبنان، شارك خلاله جميع قطاعات جيش الاحتلال البرية والجوية والبحرية،وأطلقت عليه عملية “عناقيد الغضب”، قبل أن تنسحب بالكامل فى 2000 لتنهى 22 عاما من الاحتلال، وكان لحزب الله دور فى ذلك ما ساهم فى زيادة شعبيته داخل الشارع اللبناني.


فى عام 2006 اندلعت حرب بين إسرائيل وحزب الله، فيما عرفت بـ”الحرب اللبنانية الثانية”، واستمرت 5 أسابيع، بعد خطف حزب الله جنديين إسرائيليين وقتل آخرين، وانتهت الحرب دون تحقيق إسرائيل لأهدافها، وأعلن حزب الله تحقيق النصر آنذاك، كما تكررت المواجهة بعد ذلك خلال العقدين الماضيين، ولكن على فترات متقطعة ولم تكن أكثر من مناوشات.


طوفان الأقصى


بعد شن المقاومة الفلسطينية هجوما واسعا فى أكتوبر 2023 على بلدات جنوب إسرائيل، ردت تل أبيب بعدوان غاشم على قطاع غزة، بدأ حزب الله اللبنانى تبادل إطلاق النار مع الاحتلال فى إطار دعم وتشكيل جبهة إسناد للفلسطينيين.


وفى سبتمبر 2024 وبعد انتهاء إسرائيل من تنفيذ أغلب أهدافها المزعومة فى غزة، أعلنت تل أبيب شن عملية عسكرية فى لبنان أطلقت عليها “سهام الشمال”، وبدأت عدوانها الغاشم بتفجير أجهزة اتصالات (البيجر) التابعة لحزب الله ما أسفر عن مقتل وإصابة الآلاف من عناصره، بالإضافة إلى المدنيين، ثم شرعت فى اغتيال أبرز قادة الجماعة اللبنانية وأمينها العام حسن نصر الله، كذلك شنت غارات مكثفة وصلت للعاصمة بيروت، وهو ما قد يتبعه دفع إيران للحرب.


الفصل الأهم


من جانبه، قال الدكتور محمد عبادى الباحث فى الشؤون الدولية: إن هناك العديد من المواجهات التى خاضها لبنان ضد دولة الاحتلال، أبرزها “حرب لبنان الأولى 1982، وحرب لبنان الثانية 2006”، إلا أن الصراع الدائر فى الوقت الحالى هو الفصل الأهم فى هذا النزاع، ويختلف عن الحروب السابقة لعدة أسباب:


الأول: استدعاء الخطر الوجودى لدى دولة الاحتلال بشكل رئيسى هو من أهم الفوارق بين الحروب السابقة والصراع الحالي، فاستشعار إسرائيل لهذا الخطر يحرك رغبة لدى كل القيادات والنخبة والأحزاب والمؤسسات والجهات الإسرائيلية بالكامل لضرورة العمل من أجل إعادة صياغة معادلة ردع جديدة فى الإقليم تعطى تل أبيب الهيمنة، لافتا إلى أن هذه الرغبة ليست لدى نتنياهو وحكومته المتطرفة فقط، بل هناك اتفاق بين الجميع داخل إسرائيل فى هذا الشأن، وبالتالى انعكس تطبيق هذه المعادلة أولا على المقاومة الفلسطينية فى الجنوب ثم حزب الله فى الشمال.


الثاني: التقدم التكنولوجى لدولة الاحتلال، كذلك تطور قدراتها الجوية التى لا تستطيع أن ترصدها رادارات حزب الله وتعبث فى سماء لبنان.


الثالث: الاختراق الأمنى العميق من قبل إسرائيل لحزب الله.. فعندما ذهبت الجماعة اللبنانية إلى سوريا لدعم بشار الأسد تركت وراءها مساحة كبيرة، فتحت المجال أمام الموساد للتغلغل بداخلها بمنتهى الأريحية.


الرابع: حزب الله يخوض الحرب بمعادلة عصية على التفسير فهو أشبه بفأر فى مصيدة تضربه إسرائيل بقوة ثم لا يرد رد مكافئا، ثم تعاود تل أبيب الضرب ولا يتم الرد بطريقة متكافئة حتى وصلنا إلى هذه المرحلة، التى أصبح الحزب مصابا فيها بشلل عملياتى حقيقي.


وأوضح عبادى أن صانع القرار الإيرانى يعلم أن نتنياهو يخوض مقامرة، ويرغب فى ارتكاب طهران لأى خطأ أو تحرك يتخذه ذريعة لاستهداف المنشآت النووية، لذلك فهى منذ اللحظة الأولى للحرب بغزة فى السابع من أكتوبر 2023، وهى تتراجع خطوات للوراء، فهى تفضل حتى هذه اللحظة إجراء تسوية مع واشنطن، من أجل الضغط على تل أبيب ونتنياهو للتراجع عن سحق حزب الله، ولكنه أشار إلى أن طهران باتت تدرك مع مرور الوقت أن ما تفعله مع أمريكا هو مماطلة لكسب الوقت من أجل سحق حزب الله.

 

الموقف الإيراني


واستطرد الباحث فى الشئون الدولية: “نحن اليوم أمام محطة فاصلة ونقطة تحول فى الصراع”، مشددا على أن اغتيال أمين عام حزب الله اللبنانى حسن نصر الله يدفع إيران للتدخل.


وعن إمكانية تدمير إسرائيل لحزب الله بالكامل خلال هذا الصراع الدائر، أشار عبادى إلى أن أمنية تل أبيب منذ الوصول إلى المنطقة هو القضاء الكلى على جميع من يشكلون تهديدا عليها، وعلى وجودها فى المنطقة وهو ما لم يحدث، مضيفا: إذا افترضنا قضاءها على حزب الله بالكامل، فسيتم تشكيل وظهور تنظيم أشد قوة وحذرا منه فى المستقبل، متسائلا حول قدرة تل أبيب القضاء على حماس رغم العدوان الغاشم منذ أكثر من عام؟.


صراع الحسم


بدوره، أعرب أستاذ العلوم السياسية فى جامعة القدس، الدكتور أيمن الرقب، عن اعتقاده بأن الصراع الدائر فى لبنان الآن يختلف عن الحروب السابقة، إذ يبدو أن إسرائيل تريد حسم ملفات لم تستطع حسمها فى المواجهات الماضية، كما أنها تستخدم قوة كبيرة للغاية لم تشهدها كل حروب لبنان السابقة خلال العمليات العسكرية الدائرة داخل الأراضى اللبنانية، خاصة خلال الأسابيع القليلة الماضية، لافتا إلى أن جيش الاحتلال يستعد أيضا لشن غزو بري، بعد إرهاق المقاومة اللبنانية من خلال القصف والغارات الجوية المتلاحقة.


وتابع الرقب: “دولة الاحتلال تريد التمدد داخل الأراضى اللبنانية خلال هذه الحرب، لافتا إلى أن وعد الرئيس الأمريكى السابق والمرشح الجمهورى فى الانتخابات الأمريكية دونالد ترامب لإسرائيل، بشأن توسيع حدودها حال فوزه، فتح شهية نتنياهو من أجل اعتبار الحرب الحالية فرصة تاريخية لتل أبيب، وبالتالى قد نشهد حربا برية وتمددا للاحتلال حتى الضاحية الجنوبية لبيروت والوصول إلى العاصمة اللبنانية.


واستكمل: “الاحتلال يريد تنفيذ سيناريو ما حدث بغزة فى لبنان، وموجات القتل وعمليات الاغتيال التى تحدث فى الحرب الحالية، تؤكد أن هذه المرة تختلف عن المرات السابقة”، مشددا على أن صمت المجتمع الدولى على ما يحدث فى غزة هو ما شجع إسرائيل على السعى لتكرار السيناريو فى لبنان فى ظل الدعم الأمريكى والغربى المطلق.

الجريدة الرسمية