المقاومة متعلقة بروح سيدها!
سمعت هذه الجملة من صديقي المفكر اللبناني الكبير الأستاذ ناصر قنديل، وتوقفت أمامها كثيرًا وقررت أن تكون عنوان هذا المقال، ففي معرض تحليل الأستاذ لنشاط وحركة المقاومة في مواجهة العدو الصهيوني بعد استشهاد سماحة السيد حسن نصر الله، أكد على أن شباب المقاومين كانوا متعلقين بروح قائدهم ومؤمنين به إلى أبعد درجة..
ولما لا فهو ذلك القائد التقي الورع النقي المؤمن بمشروعه المقاوم، الذي وهب عمره كله للدفاع عن قضية الأمة المركزية وهي القضية الفلسطينية، ففي النصف الأول من عمره حمل السلاح مجاهدًا ومقاتلًا في صفوف المقاومة، وشارك في تأسيس حزب الله عام 1982، وظل الحزب يدار بشكل جماعي حتى أنتخب أمينه العام الأول السيد صبحي الطفيلي عام 1989، وظل في موقعه لمدة عامين قبل الاستقالة..
تولى من بعده أمانة الحزب السيد عباس الموسوي الذي لم يستمر أكثر من تسعة أشهر فقط، حيث اغتاله العدو الصهيوني عام 1992، وخلفه سماحة السيد حسن نصر الله وكان عمره 32 عامًا، وتحت قيادته حقق الحزب انتصارات مدوية على العدو الصهيوني، لعل أهمها اجبار العدو على الانسحاب من الجنوب اللبناني عام 2000، وهزمته شر هزيمة في حرب تموز 2006..
والتي تحول بعدها سماحة السيد إلى أسطورة نضالية عالمية، وأصبح بشخصيته الكاريزمية ملهمًا لشباب المقاومة، لذلك تعلق كل شباب المقاومة بروح سماحة السيد، وعلى الرغم من عملية الاغتيال والحزن الذي خيم على كل المقاومين إلا أن ذلك لم يضعف أو يهن من صلابة وبسالة المقاومة، بل يزيدها إصرارًا على مواصلة المشوار الذي بدأه سماحة السيد، والذي رسم خريطته، ومهد طريقه، من أجل تحرير فلسطين..
وهؤلاء المقاومين يتحركون الآن في الميدان وصوت سماحة السيد يرن في آذانهم نحن لا نهزم، فعندما ننتصر ننتصر وعندما نستشهد ننتصر، وكما يؤكد الأستاذ ناصر قنديل أن شباب المقاومين ومع كل عملية يقومون بها يقولون "شايفنا يا سيد"، ومع كل هدف يتم تدميره داخل الكيان الصهيوني يقولون "راضي عنا يا سيد"..
هذا ما صنعه سماحة السيد حسن نصر الله بصدقه وإيمانه في جمهور المقاومة، ارتباط وإيمان بالفكرة وقائدها وكما أن الأفكار لا تموت، فأرواح القادة تظل خالدة رغم ارتقاء الأجساد.
وبالطبع هذا الإيمان ينقلنا إلى التفكير العميق في مستقبل المقاومة، فخلال هذا الأسبوع شاركت في عدد من اللقاءات التليفزيونية، وكان من بينها لقاء على قناة النيل للأخبار بالتليفزيون المصري، حيث حاول المذيع التعرف على مستقبل الصراع العربي الصهيوني في اللحظة الراهنة، ووصف المواجهة التي يقودها محور المقاومة بأنها الأشرس في تاريخ الصراع، وأشار أن كفة العدو هي الأرجح حتى الآن..
وهنا كانت مقاطعتي واعتراضي حيث أكدت على أن العدو الصهيوني الآن في أضعف حالاته، وأنه كما كان يؤكد سماحة السيد أنه أوهن من بيت العنكبوت، ولجوئه لعمليات الاغتيال تؤكد على فشله في الميدان وعدم قدرته على مجابهة رجال الله، وتؤكد أيضًا على المأزق الداخلي الذي أوقعته فيه المقاومة..
فعلى مدار عام كامل لم يتمكن العدو من تحقيق أهدافه المعلنة في غزة فلا حماس تم القضاء عليها، ولا سكان غزة تم تهجيرهم وتوطينهم على الأرض المصرية في سيناء، بل فتحت عليه نيران جبهات الإسناد في لبنان واليمن والعراق وسورية وإيران مما أفقده صوابه ودفعه لفتح جبهة حرب جديدة رغم عجزه عن تحقيق أي نجاح على جبهة غزة التي صمدت صمودًا أسطوريًا، وتحملت الإجرام الصهيوني وقدمت الدماء قرابين من أجل الحفاظ على التراب الوطني..
بل ما حدث هو العكس أكثر من مليون مستوطن صهيوني حمل حقائبه وجواز سفره وفر هاربًا من جحيم المقاومة، حيث عادوا من حيث أتوا، هذه الهجرة العكسية تعني أن الحياة داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة أصبحت غير محتملة..
لذلك فضل المستوطنين الصهاينة الهرب على البقاء، وهنا هو الفرق الكبير والشاسع بين عقيدة المستوطن المحتل والمغتصب للأرض، وعقيدة المقاومة المؤمنة بحتمية النصر أو الشهادة دفاعًا عن الأرض التي هي ملكًا لنا فهي أرض الأجداد والآباء وحتمًا سنحررها لينعم بها الأبناء والأحفاد.
وفيما يتعلق بالفرق بين عقيدة المقاومة وعقيدة المحتل، أكدت على أن تاريخ المقاومة حول العالم يؤكد على حتمية انتصارها، فلا توجد حركة مقاومة واحدة على مدار التاريخ الإنساني هزمت من قبل المحتل حتى لو كان هذا المحتل يمتلك أكبر وأضخم ترسانة عسكرية في العالم، ولنا في التاريخ الاستعماري الحديث أمثلة عديدة، لكن يكفينا الإشارة لهزيمة العدو الفرنسي أمام المقاومة الجزائرية وإنهاء حالة الاحتلال بعد 132 عامًا، كذلك هزيمة العدو الأمريكي أمام المقاومة في فيتنام وأفغانستان والعراق..
فعقيدة المقاومة أنها تدافع عن حق مشروع وهو التراب الوطني، وهي هنا عندما تواجه العدو المحتل تكون ورغم امكانياتها التسليحية المحدودة مقارنة بتسليح العدو تتسلح بإيمان كبير وقدرة هائلة على التضحية، فمن ينتصر سيخلد في الأرض، ومن يستشهد سيخلد في السماء، على عكس العدو المحتل فدائمًا ما يكون فاقدًا لهذا الإيمان..
وفي الحالة الصهيونية نجد أن عقيدة الصهيوني بنيت على فكرة وهمية توراتية مزعومة تقول دولتك يا إسرائيل من النيل إلى الفرات، وقد حاول قادة المشروع الصهيوني زراعة هذه الفكرة في العقل الجمعي لليهود الصهاينة الذين كانوا يعيشون في الشتات، حيث تم إقناعهم بهذه الفكرة الوهمية، وجاء أجداد وأباء صهاينة الداخل الإسرائيلي الذين يخوضون المعركة اليوم..
وعلى مدار ما يزيد عن ٧٦ عامًا لم يشعر المستوطنين الصهاينة بأن هذه الأرض هي أرض الميعاد، تلك الأرض التي زعم قادتهم أنها الأرض التي وعد بها الرب نبيه أبرهام وذكرت في كتابهم المقدس، فأرض الميعاد لابد وأن تكون أرض أمن وأمان، وهذا ما لم يشعر به المستوطنين الصهاينة حتى اليوم، ولن يشعروا به مادام على هذه الأرض مواطن عربي فلسطيني يؤمن بالمقاومة..
المستوطنين الصهاينة يعيشون في حالة زعر ورعب دائمة، وحين يشرعون في بناء بيوت لهم على الأرض المحتلة يهتمون ببناء الملاجئ السفلية تحت الأرض ليهرعوا إليها في لحظات الخطر وما أكثرها اليوم، لذلك لا عجب أن تتحول العقيدة الصهيونية لعقيدة الجبن والهرب..
لذلك كلما زادت ضربات المقاومة كلما حدث خلل ديموغرافي داخل الكيان، حيث يحتشد الألاف داخل المطارات للعودة من حيث أتوا، وهذا هو المكسب والانتصار الحقيقي الذي حققته المقاومة على مدار العام المنصرم، والذي يحاول العدو الصهيوني التعتيم عليه عبر الآلة الإعلامية الجهنمية الجبارة التي يمتلكها ويسيطر عليها حول العالم..
لذلك نؤكد على أن المقاومة سوف تنتصر خاصة وأنها أصبحت تمتلك من القوة والقدرات العسكرية ما يمكن أن يمحو العدو الصهيوني من فوق الارض العربية المحتلة، ويهدد المصالح الأمريكية بالمنطقة، والتي أصبحت تحت مرمى نيران المقاومة ويمكن قصفها وتدميرها في أي وقت..
لذلك فعلينا أن نؤمن بحتمية النصر كما أكد سماحة السيد الشهيد حسن نصر الله، وكما يؤمن أبنائه المتعلقين بروح سيدهم، والذين يرددون مع كل ضربة شايفنا يا سيد، راضي عنا يا سيد، اللهم بلغت اللهم فاشهد.